وإن سلمنا امتناع الجبر عن (١) فعل العبد (١) على ما ذكرتموه ؛ فما المانع من صحة الترك مع وجود المرجح؟
قولكم : يلزم منه التسلسل.
قلنا : متى إذا كان المرجح : هو القدرة ، والاختيار ، أو إذا لم يكن؟
الأول : ممنوع. والثانى : مسلم.
وذلك لأن المرجح إذا كان هو القدرة ، والاختيار ؛ فليس يمتنع معه الترك ، ولا يفتقر إلى مرجح آخر. بتقدير الوجود حتى يقال : بالتسلسل ، أو خروج ما فرض مرجحا عن كونه مرجحا على ما ذكروه ؛ فإن هذا / هو شأن القدرة وخاصيتها.
ثم وإن سلمنا أنه لا من فعل الله ـ تعالى ـ : فما المانع من كونه لا من فعل أحد ، وأن يكون قديما؟
قولكم : إنه صفة للحادث : ممنوع. وإلا كان موجد الحادث حادثا ؛ وهو محال.
ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه : لكن غايته الدلالة على أن العبد غير مختار فى فعله ، وليس فيه ما يدل على امتناع كونه فاعلا مطلقا.
ثم ما ذكرتموه لازم عليكم من وجهين :
الأول : أنه لازم عليكم فى إثبات الكسب ؛ حيث أثبتم كون الفعل مكتسبا للعبد ، غير مجبور عليه.
وبيان ذلك : هو أن ما أثبتموه من الكسب : وهو الفعل المقدور بالقدرة الحادثة : إما أن يكون بحيث يصح للعبد (٢) معه الفعل ، بدل الترك ، وبالعكس : أو لا.
فإن صحّ : فلا بد له من مرجح ؛ وذلك المرجح : إما من فعل العبد ، أو من فعل الله ، أو لا من فعل أحد (٣) ، وهلم جرا إلى آخر القسمة ، ولا بد من الجبر ، أو التسلسل الممتنع ، أو حدوث الجائز ، من غير مرجح.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) ساقط من ب.
(٣) فى ب (أحدهما).