ووجه النهي أنه من باب التشديد على النفس ، وهو الذي تقدم الاستشهاد على كراهيته ، وأما على جهة الالتزام غير النذري ، فكأنه نوع من الوعد ، والوفاء بالعهد مطلوب ، فكأنه أوجب على نفسه ما لم يوجبه عليه الشرع ، فهو تشديد أيضا ، وعليه يأتي ما تقدم من حديث الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عبادة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقولهم : أين نحن من النبي صلىاللهعليهوسلم؟ الخ ، وقال أحدهم : أما أنا فأفعل كذا الخ.
ونحوه وقع في بعض الروايات أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبر أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول : لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت. وليس بمعنى النذر إذ لو كان كذلك لم يقل له : صم من الشهر ثلاثة أيام ، صم كذا ولقال له : أوف بنذرك ، لأنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من نذر أن يطيع الله فليطعه» (١).
فأما الالتزام بالمعنى النذري فلا بد من الوفاء به وجوبا لا ندبا ـ على ما قاله العلماء ـ وجاء في الكتاب والسنة ما يدل عليه ، وهو مذكور في كتب الفقه ، فلا نطيل به.
وأما بالمعنى الثاني فالأدلة تقتضي الوفاء به في الجملة ، ولكن لا تبلغ مبلغ العتاب على الترك ، حسبما دلت عليه الأدلة في مأخذ أبي أمامة رضي الله عنه للقيام في المسجد جماعة كان ذلك بصورة النوافل الراتبة المقتضية للدوام في القصد الأول ، فأمرهم بالدوام حتى لا يكونوا كمن عاهد ثم لم يوف بعهده فيصير معاتبا ، لكن هذا القسم على وجهين :
الوجه الأول : أن يكون في نفسه مما لا يطاق ، أو مما فيه حرج أو مشقة فادحة أو يؤدي إلى تضييع ما هو أولى ، فهذه هي الرهبانية التي قال فيها النبي صلىاللهعليهوسلم : «من رغب عن سنتي فليس مني» (٢) وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله.
__________________
ـ في المعصية (الحديث : ٣٢٨٩). وأخرجه الترمذي في كتاب : النذور ، باب : من نذر أن يطيع الله فليطعه (الحديث : ١٥٢٦). وأخرجه النسائي في كتاب : الأيمان والنذور ، باب : النذر في المعصية (الحديث : ٧ / ١٧).
(١) تقدم تخريجه ص ٢٤٥ ، الحاشية : ٣.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٢٩ ، الحاشية : ٢.