المشرف والقيام على إعانة أهله بالقوت أو ما أشبه ذلك ويجري مجراه ـ وإن لم يكن في رتبته ـ أن لو كان ذلك الالتزام يفضي به إلى ضعف بدنه ، أو نهك قواه ، حتى لا يقدر على الاكتساب لأهله ، أو أداء فرائضه على وجهها ، أو الجهاد ، أو طلب العلم.
كما نبه عليه حديث داود عليهالسلام : «أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى» (١).
وقد جاء في مفروض الصيام في السفر من التخيير ما جاء ، ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال عام الفتح : «إنكم قد دنوتم من عدوكم ، والفطر أقوى لكم». قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر ، قال : ثم سرنا فنزلنا منزلا فقال : «إنكم تصبّحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا» (٢) قال : فكانت عزيمة من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وهذه إشارة إلى أن الصيام ربما أضعف عن ملاقاة العدو وعمل الجهاد ، فصيام النفل أولى بهذا الحكم.
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى رجلا يظلل عليه ، والزحام عليه ، فقال : «ليس من البر الصيام في السفر» (٣) يعني أن الصيام في السفر وإن كان واجبا ، ليس برا في السفر ، إذا بلغ به الإنسان ذلك الحد مع وجود الرخصة ، فالرخصة إذا مطلوبة في مثله بحيث تصير به آكد من أداء الواجب ، فما ليس بواجب في أصله أولى.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٤٤ ، الحاشية : ١.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل (الأحاديث : ١١١٦ ، ١١١٧ ، ١١٢٠). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصوم ، باب : الصوم في السفر (الحديث : ٢٤٠٦). وأخرجه الترمذي في كتاب : الصوم ، باب : ما جاء في الرخصة في السفر (الحديث : ٧١٢). وأخرجه النسائي في كتاب : الصوم ، باب : ذكر الاختلاف على أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة فيه (الأحاديث : ٣٠ / ١٨٨ ، ١٨٩).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر : «ليس البر الصيام في السفر» (الأحاديث : ٤ / ١٦١ ، ١٦٢). وأخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية (الحديث : ١١١٥).