وفي الصحيح ردّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم التبتل على عثمان بن مظعون ، ولو أذن له لاختصى.
وهذا كله واضح في أن جميع هذه الأشياء تحريم لما هو حلال في الشرع ، وإهمال لما قصد الشارع إعماله ـ وإن كان يقصد سلوك طريق الآخرة ـ لأنه نوع من الرهبانية في الإسلام.
وإلى منع تحريم الحلال ذهب الصحابة والتابعون ومن بعدهم ، إلا أنه إذا كان التحريم غير محلوف عليه فلا كفارة ، وإن كان محلوفا عليه ، ففيه الكفارة ، ويعمل الحالف بما أحل الله له.
ومن ذلك ما ذكر إسماعيل القاضي عن معقل أنه سأل ابن مسعود رضي الله عنه فقال : إني حلفت أن لا أنام على فراشي سنة ، فتلا عبد الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا) (١) الآية ، أدن فكل وكفّر عن يمينك ، ونم على فراشك.
وفي رواية : كان معقل يكثر الصوم والصلاة ، فحلف أن لا ينام على فراشه ، فأتى ابن مسعود رضي الله عنه فسأله عن ذلك فقرأ عليه الآية.
وعن المغيرة قال : قلت لإبراهيم في هذه الآية : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) أهو الرجل يحرم الشيء ، مما أحل الله له؟ قال : نعم.
وعن مسروق قال : أتي عبد الله بضرع فقال للقوم : ادنوا ، فأخذوا يطعمون ، فقال رجل : إني حرمت الضرع ، فقال عبد الله : هذا من خطوات الشيطان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) أدن فكل ، وكفّر عن يمينك.
وعلى ذلك جرت الفتيا في الإسلام : إن كل من حرّم على نفسه شيئا مما أحل الله له فليس ذلك التحريم بشيء ، فليأكل إن كان مأكولا ، وليشرب إن كان مشروبا ، وليلبس إن كان
__________________
ـ في كتاب : النكاح ، باب : استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مئونة واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم (الحديث : ١٤٠٢). وأخرجه أبو داود في كتاب : الجهاد ، باب : النهي عن السياحة (الحديث : ٢٤٨٦). وأخرجه الترمذي في كتاب : النكاح ، باب : ما جاء في النهي عن التبتل (الحديث : ١٠٨٣). وأخرجه النسائي في كتاب : النكاح ، باب : النهي عن التبتل (الأحاديث : ٦ / ٥٨ ، ٥٩).
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.