وأما التحريم بالمعنى الرابع فيحتمل أن يدخل في عبارة التحريم ، فيكون قوله تعالى : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) (١) قد شمل التحريم بالنذر ، والتحريم باليمين ، والدليل على ذلك ذكر الكفارة بعدها بقوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) (٢) الخ.
وما تقدم من أنه كان تحريما مجردا قبل نزول الكفارة ، وأن جماعة من المفسرين قالوا في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (٣) : إن التحريم كان باليمين حين حلف النبي صلىاللهعليهوسلم أن لا يشرب العسل ، وسيأتي ذكر ذلك بحول الله.
فإن قيل : هل يكون قول الرجل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء ـ الحديث ـ من قبيل التحريم الثاني لا من الثالث ـ لأن الرجل قد يحرم الشيء للضرر الحاصل به ، وقد تقدم آنفا أنه ليس بتحريم حقيقة ، فكذلك هاهنا لا يريد بالتحريم النذر ، بل يريد به التوقي أي : إني أخاف على نفسي العنت ، وكان هذا المعنى ـ والله أعلم ـ هو مقصود الصحابي رضي الله عنه.
فالجواب : أن من يلحقه الضرر وقت ما يتناول شيئا ، يمكنه أن يمسك عنه من غير تحريم ، والتارك لأمر لا يلزمه أن يكون محرما له ، فكم من رجل ترك الطعام الفلاني أو النكاح لأنه في ذلك الوقت لا يشتهيه ، أو لغير ذلك من الأعذار! حتى إذا زال عذره تناول منه ، وقد ترك صلىاللهعليهوسلم أكل الضب ، ولم يكن تركه موجبا لتحريمه.
والدليل على أن المراد بالتحريم الظاهر ، وأنه لا يصح ، وإن كان تقدم أن النبي صلىاللهعليهوسلم ردّ عليه بالآية ، فلو كان وجود مثل تلك الأعذار مبيحا للتحريم بالمعنى الثالث لوقع التفصيل في الآية بالنسبة إلى من حرم لعذر أو غير عذر.
وأيضا فإن الانتشار للنساء ليس بمذموم ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» (٤) الحديث ، فإذا أحب الإنسان قضاء الشهوة تزوج فحصل له ما في الحديث زيادة
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٨٩.
(٣) سورة : التحريم ، الآية : ١.
(٤) تقدم تخريجه ص : ٢٨ ، الحاشية : ٢.