مجاب الدعوة بلا إشكال ، بخلاف غيره ، وإن عظم قدره في الدين فلا يبلغ رتبته ، فهو كان أحق بأن يزيدهم الدعاء لهم خمس مرات في اليوم والليلة زيادة إلى دعائهم لأنفسهم.
وأيضا فإن قصد الاجتماع على الدعاء لا يكون بعد زمانه أبلغ في البركة من اجتماع يكون فيه سيد المرسلين صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فكانوا بالتنبيه لهذه المنقبة أولى.
والثالث : قصد التعليم للدعاء ليأخذوا من دعائه ما يدعون به لأنفسهم لئلا يدعوا بما لا يجوز عقلا أو شرعا ، وهذا التعليل لا ينهض فإن النبي صلىاللهعليهوسلم كان المعلم الأول ، ومنه تلقينا ألفاظ الأدعية ومعانيها ، وقد كان من العرب من يجهل قدر الربوبية فيقول :
رب العباد ما لنا وما لك |
|
أنزل علينا الغيث لا أبالك |
وقال الآخر :
لا همّ إن كنت الذي بعهدي |
|
ولم تغيرك الأمور بعدي |
وقال الآخر :
أبنيّ ليتي لا أحبكم |
|
وجد الإله بكم كما أجد |
وهي ألفاظ يفتقر أصحابها إلى التعليم ، وكانوا أقرب عهد بجاهلية تعامل الأصنام معاملة الرب الواحد سبحانه ، ولا تنزهه كما يليق بجلاله ، فلم يشرع لهم دعاء بهيئة الاجتماع في آثار الصلوات دائما ليعلمهم أو يعينهم على التعلم إذ صلوا معه ، بل علم في مجالس التعليم ، ودعا لنفسه إثر الصلاة حين بدا له ذلك ، ولم يلتفت إذ ذاك إلى النظر للجماعة ، وهو كان أولى الخلق بذلك.
والرابع : أن في الاجتماع على الدعاء تعاونا على البر والتقوى ، وهو مأمور به ، وهذا الاجتماع ضعيف ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم هو الذي أنزل عليه : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (١) وكذلك فعل ، ولو كان الاجتماع لدعاء إثر الصلاة جهرا للحاضرين من باب البرّ والتقوى لكان أول سابق إليه ، لكنه لم يفعله أصلا ولا أحد بعده حتى حدث ما حدث ، فدلّ على أنه ليس على ذلك الوجه بر ولا تقوى.
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٢.