بولد فينكر أحدهما الولد دون الآخر ، أنه يكشف منكر الولد عن وطئه الذي أقربه ، فإن كان في صفته ما يمكن معه الإنزال لم يلتفت إلى إنكاره ، وكان كما لو اشتركا فيه ، وإن كان يدعي العزل من الوطء الذي أقرّ به ، فقال أصبغ : إني أستحسن هاهنا أن ألحقه بالآخر ، والقياس أن يكونا سواء ، فلعله غلب ولا يدري.
وقد قال عمرو بن العاص في نحو هذا : إن الوكاء قد ينقلب ـ قال ـ والاستحسان هاهنا أن ألحقه بالآخر ، والقياس أن يكونا في العلم ، قد يكون أغلب من القياس (؟) ثم حكى عن مالك ما تقدم. ووجه ذلك ابن رشد بأن الأصل : من وطئ أمته فعزل عنها وأتت بولد لحق به وإن كان له منكرا ، وجب على قياس ذلك إذا كانت بين رجلين فوطئاها جميعا في طهر واحد وعزل أحدهما عنها فأنكر الولد وادعاه الآخر الذي لم يعزل عنها أن يكون الحكم في ذلك بمنزلة ما إذا كانا جميعا يعزلان أو ينزلان ، والاستحسان ـ كما قال ـ أن يلحق الولد بالذي ادعاه وأقر أنه كان ينزل ، وتبرأ منه الذي أنكره وادعى أنه كان يعزل ، لأن الولد يكون مع الإنزال غالبا ولا يكون مع العزل إلا نادرا ، فيغلب على الظن أن الولد إنما هو للذي ادعاه وكان ينزل ، لا الذي أنكره وهو يعزل ، والحكم بغلبة الظن أصل في الأحكام ، وله في هذا الحكم تأثير ، فوجب أن يصار إليه استحسانا ـ كما قال أصبغ ـ وهو ظاهر فيما نحن فيه.
والتاسع : ما تقدم أولا من أن الأمة استحسنت دخول الحمام من غير تقدير أجرة ولا تقدير مدة اللبث ولا تقدير الماء المستعمل. والأصل في هذا المنع إلا أنهم أجازوا ، لا كما قال المحتجون على البدع ، بل لأمر آخر هو من هذا القبيل الذي ليس بخارج عن الأدلة ، فأما تقدير العوض فالعرف هو الذي قدره فلا حاجة إلى التقدير ، وأما مدة اللبث وقدر الماء المستعمل فإن لم يكن ذلك مقدرا بالعرف أيضا فإنه يسقط للضرورة إليه ، وذلك لقاعدة فقيهة ، وهي أن نفي جميع الغرر في العقود لا يقدر عليه ، وهو يضيق أبواب المعاملات ، وهو تحسيم أبواب المفاوضات (؟) ونفي الضرر إنما يطلب تكميلا ورفعا لما عسى أن يقع من نزاع ، فهو من الأمور المكملة والتكميلات إذا أفضى اعتبارها إلى أبطال المكملات سقطت جملة ، تحصيلا للمهم ـ حسبما تبين في الأصول ـ فوجب أن يسامح في بعض أنواع الغرر التي لا ينفك عنها ، إذ يشق طلب الانفكاك عنها ، فسومح المكلف بيسير الغرر ، لضيق الاحتراز مع تفاهة ما يحصل من الغرر ، ولم يسامح في كثيره إذ ليس في محل الضرورة ،