له شرط الحلية لتحقق مناطها بالنسبة إليه : أو ملك لحم شاة ميتة لم يحل له أكله ، لأن تحريمه ظاهر من جهة فقده شرط الحلية ، فتحقق مناطها بالنسبة إليه ، وكل واحد من المناطين راجع إلى ما وقع بقلبه ، واطمأنت إليه نفسه ، لا بحسب الأمر في نفسه ، ألا ترى أن اللحم قد يكون واحدا بعينه فيعتقد واحد حليته بناء على ما تحقق له من مناطها بحسبه ، ويعتقد آخر تحريمه بناء على ما تحقق له من مناطه بحسبه ، فيأكل أحدهما حلالا ويجب على الآخر الاجتناب ، لأنه حرام؟ ولو كان ما يقع بالقلب يشترط فيه أن يدل عليه دليل شرعي لم يصح هذا المثال وكان محالا ، لأن أدلة الشرع لا تناقض أبدا ، فإذا فرضنا لحما أشكل على المالك تحقيق مناطه لم ينصرف إلى إحدى الجهتين ، كاختلاط الميتة بالذكية ، واختلاط الزوجة بالأجنبية.
فههنا قد وقع الريب والشك والإشكال والشبهة.
وهذا المناط محتاج إلى دليل شرعي يبين حكمه ، وهي تلك الأحاديث المتقدمة ، كقوله : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (١) وقوله : «البر ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في صدرك» (٢) كأنه يقول : إذا اعتبرنا باصطلاحنا ما تحققت مناطه في الحليّة أو الحرمة ، فالحكم فيه من الشرع بيّن ، وما أشكل عليك تحقيقه فاتركه وإياك والتلبس به ، وهو معنى قوله ـ إن صح ـ : «استفت قلبك وإن أفتوك» (٣) فإن تحقيقك لمناط مسألتك أخص بك من تحقيق غيرك له إذا كان مثلك.
ويظهر ذلك فيما إذا أشكل عليك المناط ولم يشكل على غيرك ، لأنه لم يعرض له ما عرض لك.
وليس المراد بقوله : «وإن أفتوك» أي : إن نقلوا إليك الحكم الشرعي فاتركه وانظر ما يفتيك به قلبك ، فإن هذا باطل ، وتقوّل على التشريع الحق ، وإنما المراد ما يرجع إلى تحقيق المناط.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٤٢٨ ، الحاشية : ١.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٤٢٨ ، الحاشية : ٢.
(٣) تقدم تخريجه ص : ٤٢٩ ، الحاشية : ١.