عند الله نزلت نار من السماء فأكلته ، وإن لم يكن مقبولا لم تأكله النار ، وفي ذلك افتضاح المذنب ، ومثل ذلك في الغنائم أيضا ، فكثير من هذه الأشياء خصت هذه الأمة بالستر فيها.
وأيضا ، فللستر حكمة أخرى ، وهي أنها لو أظهرت مع أن أصحابها من الأمة لكان في ذلك داع إلى الفرقة وعدم الألفة التي أمر الله ورسوله بها ، حيث قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (١) وقال تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) (٢) وقال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (٣) وفي الحديث : «لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا» (٤) ، وأمر عليه الصلاة والسلام بإصلاح ذات البين ، وأخبر أن فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين.
فإذا كان من مقتضى العادة أن التعريف بهم على التعيين يورث العداوة بينهم والفرقة ، لزم من ذلك أن يكون منهيا عنه ، إلا أن تكون البدعة فاحشة جدا كبدعة الخوارج ، وذكرهم بعلامتهم حتى يعرفوا ، ويلحق بذلك ما هو مثله في الشناعة أو قريب منه بحسب نظر المجتهد ، وما عدا ذلك فالسكوت عنه أولى.
وخرّج أبو داود عن عمر بن أبي مرة قال : كان حذيفة بالمدائن فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأناس من أصحابه في الغضب ، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٣.
(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ١.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٥.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب : النكاح ، باب : لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ، وأخرجه في كتاب : الأدب ، باب : ما ينهى عن التحاسد والتدابر ، وباب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) ، وأخرجه في كتاب : الفرائض ، باب : تعليم الفرائض (الحديث : ٩ / ١٧١). وأخرجه مسلم في كتاب : البر والصلة ، باب : تحريم الظن والتجسس والتنافس (الحديث : ٢٥٦٣). وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب : حسن الخلق ، باب : ما جاء في المهاجرة (الأحاديث : ٢ / ٩٠٧ ، ٩٠٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : الأدب ، باب : في الغيبة ، وباب : في الظن (الأحاديث : ٤٨٨٢ ، ٤٩١٧). وأخرجه الترمذي في كتاب : البر والصلة ، باب : ما جاء في شفقة المسلم على المسلم (الحديث : ١٩٢١).