من الطبائع النارية كما عبّر عنها القرآن العزيز بقوله تعالى :
(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (الرحمن / ١٦).
فالمخلوق الجني له قدرات خارقة للعادة بطبيعة ما أودع الخالق العظيم فيه من الطاقات العظيمة بحيث يخرق المادة بسهولة من دون أن يصيبها تصدّع أو تخلخل ، كما أنه قادر على قطع المسافات الطويلة بلحظات قليلة جدا التي يعجز عن قطعها الآدمي بساعات أو شهور عبر الطائرات النفاثة وغيرها.
مضافا إلى ذلك فإنّ القرآن يصف لنا أنّ هذه المخلوقات الخفية عن أنظارنا ـ والتي من بينها إبليس اللعين ـ تتمتع بمزايا خارقة جدا تفوق مزايا الإنس في عالمنا المادي ، كأن تكون قادرة على التسلل إلى النفس الإنسانية لها وتمنّيها ، وأن تكون قادرة على التصرّف مع مسائل الزمان والمكان بقدرات أكبر من القدرات الإنسانية كما تشير الآيات عمّا يفعله إبليس بالعباد وما يمتلك من ولاية على القلوب والأجساد.
(قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٣) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص / ٨٣ ـ ٨٤).
ولا يكون الإغواء إلّا عبر التسلل إلى النفس الإنسانية ، ويؤيده ما ورد أنّ إبليس يجري في بني آدم كجريان الدم في العروق وقال تعالى أيضا :
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (النمل / ٤٠).
فللعفريت الجني القدرة الفعلية الخارقة ليأتي بعرش بلقيس بلحظة ، وهو مع هذا ليس في مقام تثبيت نبوته أو إمامته لأنّ مقامي النبوة والإمامة من مختصات الإنس دون غيرهم ، فما ادّعاه من ينكر الولاية التكوينية من «أن الله قد أعطى للأنبياء القيام بالمعاجز لحاجة النبوة إلى ذلك أمام التحديات الموجّهة إليهم» غير سديد ويحتاج إلى دليل قاطع.
فما ثبت للجن من قدرتهم على التحكّم والسيطرة على بعض العوالم المادية ، يثبت أيضا بطريق أولى للملائكة الموكلين بحفظ هذا النظام وليس هناك أي مانع عقلي أو شرعي من أن يطّلع الإنسان على ما في عالمي الجن والملائكة ، بل والتصرّف بمقاديرهما وذلك من خلال تخطي عتبة معينة من عتبات المعرفة