الروحية ، مع فرق بين الاثنين ، ففي مسألة عالم الجن فالأمر متاح لكل من طرق باب الولوج إليهم من دون تدخل اللطف الإلهي ، وإليه يشير قوله تعالى :
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (الجن / ٧).
أما بالنسبة لعالم الملائكة فإنّ ثمة منزلة روحية ينبغي عروج الروح إليها كي يمكن خوض عبابه ، ومن هذا القبيل ما ورد في قصة بلعم بن باعورا حيث سبق له أن ترقّى روحيا إلى منزلة الملائكة ولكنه أخلد إلى الأرض فسقط منها قال تعالى :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (الأعراف / ١٧٦).
فالانسلاخ من الآيات يشير إلى أنه وصل إلى منزلة تمكّن فيها من أن يحصل على معين من لطف الله (آتَيْناهُ آياتِنا) ولكنه خرج من هذه المنزلة فأتاح للشيطان أن يغويه.
من خلال هذا السرد البسيط لما يتحلى به الجن من قدرات خارقة نستنتج وجود ولاية تكوينية لهم بالمقدار الطبيعي المحدّد من قبل الذات الإلهية ، وهم مع ذلك يعتبروا أدون درجة من العوالم الإنسية ، فبطريق أولى يثبت هذا الشيء لبعض الإنس إذا ارتاض بالرياضيات الروحية اللازمة لذلك ، (لأنّ شأن الولاية التكوينية شأن اكتسابي يمكن أن يناله كل إنسان إن عرف طريقه إلى ذلك ، وهي ـ أي الولاية المذكورة ـ لا تختص بنبيّ أو وصي فحسب ، وإنما هي متاحة في حدودها الأولية المرشحة للتنامي لكل إنسان ، وتزداد وتقلّ حسب المنزلة التي يرقى إليها الإنسان أو يتقهقر عنها) (١).
وأما الثاني :
أي قدرات بعض الإنس الخارقة.
وهؤلاء ينقسمون إلى صنفين :
الصنف الأول : ويختص بالأنبياء والأوصياء عليهمالسلام.
__________________
(١) الولاية التكوينية : ص ٨٠.