وهي الهداية بأمر الله حيث يجب أن يصاحب الإمام عنوان ملازم له وهو الهداية التي هي بأمر الله تعالى لقوله سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس / ٨٣) ، ولقوله عزّ شأنه : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر / ٥١). وعليه فالأئمة عليهمالسلام يهدون بأمر الله ولهم تعامل مع ملكوت الموجودات فهم يهدون كلّ موجود إلى الله ويوصلونه بأمر الله إلى كمال الله ، فهو محيط بقلب الموجودات ، فيهديهم إلى الله تعالى من جهة السيطرة والإحاطة بقلوبهم بقدرة الملك العلّام ، فهو هاد لهم بالأمر الملكوتي الموجود والملازم له دائما ، وهذا في الحقيقة ونفس الأمر هو الولاية بحسب الباطن في أرواح وقلوب الموجودات ، نظير ولاية كلّ فرد من أفراد البشر عن طريق باطنه وقلبه بالنسبة إلى أعماله ، هذا هو معنى «الإمام».
وهناك فرق آخر بين الرسول والإمام مفاده : إن الرسول وظيفته بيان الهداية التشريعية ، والإمام وظيفته بيان الهداية التكوينيّة ؛ فالأولى تقتصر على البيان والإراءة فقط ، والثانية تقتصر على الإيصال. والأولى من وظائف النبوة والرسالة ، والثانية من وظائف الإمامة ، وليس معنى هذا أنّ الهداية التشريعيّة ليست من وظائف الإمامة ، لكن الغالب على الإمامة هو الإيصال إلى المطلوب ، ويستدلّ على بيان الوظيفة الأولى بعدة آيات منها : قوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء / ١٦٦) ، وقوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ...) (الرعد / ٨) ، وقوله عزّ من قائل : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء / ٤) ، وقوله عزّ اسمه : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية / ٢٢ ـ ٢٣) ، وقوله عزوجل : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) (يس / ٧).
فوظيفة الأنبياء أن يبيّنوا للناس ويروهم الطريق ، وبعد ذلك (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف / ٣٠) فحيثيّة النبوّة والرسالة تتلخّص في إراءة الطريق وهي مساوقة لكلمة (تعالوا) التي تشبه في مفادها اللغويّ من يقف على مرتفع وينادي على الناس : هلمّوا إليّ ، وعندئذ الناس أحرار فمن أراد أن يصعد يصعد ، ومن لم يشأ لا يصعد. ولا تتمّ إراءة الطريق إلا عبر البشارة والإنذار ، ولكن الغالب على وظائف الأنبياء هو الإنذار وإن كان التبشير من صلب مهامهم ، والسرّ فيه يرجع إلى أنّ الناس لا يحرّكهم غالبا إلا الإنذار دون التبشير ، وكمثال عملي