وكذلك حبّ الشيعة بعضهم لبعض ولمّا كان محمّد وآل محمّد عليهمالسلام أول صادر عن المشية وكانوا أشبه الأشياء بالمشية التي هي صفة الله وسمته وكانوا هم أشدّ الخلق حبّا لله جلّ وعزّ حتى سمّي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحبيب ، وفي الدعاء لا حبيب إلّا هو وأهله ، وأشدّ المؤمنين شبها بهم أشدّهم شبها بمشية الله وصفته ، فهم أشدّ الخلق حبّا لله عزوجل (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) بل لمحمد وآل محمّد مقام أعلى من ذلك وهو مقام المعاني وكونهم صلوات الله عليهم معاني أسماء الله وصفاته وظواهرها أي الظاهر بها ، قال عليهالسلام : «أما المعاني فنحن معانيه وظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوّض إلينا أمور عباده» وبلغ بهم المجانسة مقام نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد إلّا بمعرفتنا ، ومقام لا فرق بينك وبينها إلّا أنهم عبادك وخلقك ، ومقام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن هو ، فهم في هذه المقامات راقون مرقى المحبة حجاب بين المحب والمحبوب فهتكوا الحجاب ورفع لهم النقاب ففنوا في جمال المحبوب حتى لم يبق لأنفسهم أثر معه فصارت محبتهم محبة لله وولايتهم ولاية الله وفي الزيارة : من والاكم فقد والى الله ومن أحبكم فقد أحبّ الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله ، وفي زيارة أخرى : من عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله وفي الخبر : بنا عرف الله ولولانا ما عرف الله وبنا عبد الله ولولانا ما عبد الله ، وذلك لكمال المجانسة والاتحاد مع صفة الله وظهوره (١) ، وأما الذات الأحدية القديمة فلا يجانسها شيء ولا يماثلها شيء ولا يشاكلها مخلوق ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وفي الدعاء تنزّه عن مجانسة مخلوقاته ، وإنما التجانس في المتجانسين أينما كان في الصفة لا الذات ، وهم صفة الله جلّ جلاله فمحبتهم لله عزوجل ومحبة الله لهم فوق إدراك جميع الخلائق حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين والمؤمنين الممتحنين فليس حقّ المحبة إلّا محبة الله لهم ومحبتهم لله جلّ وعزّ.
وللمحبة أصل وفرع ، أما أصلها فهو المعرفة كما قال الإمام الصادق عليهالسلام «الحب فرع المعرفة» فلا يمكن للإنسان أن يحب شيئا مجهولا ، وأما فرعها فإيثار
__________________
(١) نقصد من «ظهوره» تجلّي الصفات على القابليات ، لا تجلّي الذات فإنه مستحيل عقلا ، فتأمل.