خامسا : بما أن المحيض من الأذى وهو قذارة ظاهرية بدلالة اللغة والعرف عليه ، فيجب أن تنزّه الزهراء عن ذلك لكون القذارة رجسا هي مطهّرة منه لقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ولقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمتواتر : «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويسخطني ما يسخطها ...» ، فحيث عبّر الله عن المحيض بالأذى فكيف يؤذي الله الزهراء وقد نهى على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس أن يؤذوا الزهراء عليهاالسلام؟ فكيف ينهاهم عن الأذية ثم يخلق فيها ما يؤذيها؟!
فدعوى أنّ الحيض من لوازم الخلقة البشرية وخلوّ المرأة منه نقص لها مردودة : لأن الحيض بنفسه قذارة ظاهرة لقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) أي قذارة يتأذّى منها بشهادة العرف الخاص والعام لما يترتب عليه من السلبيات على نفسية المرأة والرجل ، فهو أذى لكليهما للإطلاق في كلمة (أذى) فلم يحدّد الشارع الأذيّة للمرأة فقط وإنما أطلق كما أنه لا موجب لتقييد الأذى بالأذى النفسي فقط فيبقى الإطلاق منعقدا في الظهور فيشمل كل أنواع الأذى : الروحي والنفسي والجسدي. وما ورد في رواية (١) (من أنّ عدم الحيض عيب للمرأة). فهو بالغضّ عن إرساله فمحمول على الجارية لا مطلق امرأة ، ولو سلّمنا إطلاقه ـ وأنه يشمل غير الجارية ـ فلعلّ فقده (أي الحيض) عن المرأة يعتبر من العيوب لدلالته في الغالب على وجود عيب في الرّحم موجب لعدم الولادة ، فإذا تفضّل الله تعالى على أحد من أوليائه بالولادة الكاملة بدون هذه القذارة (كما هو شأن مولاتنا الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام) فلا محالة كان ذلك في حقّها فضيلة وكمالا ظاهرا وتطهيرا زائدا.
سادسا : لا يحقّ لأحد كان أن يطرح النصوص إلا إذا اصطدمت مع نص الكتاب الكريم وأدلة العقل ، ومسألة طهارة الصدّيقة الزهراء عليهالسلام من الطمث لا نراها تعارض ما ذكرنا بل دعوى الطمث لها يعارض نصّا محكما في الكتاب الكريم كآية لتطهير ، لأنّ الحيض كما قلنا قذر ونجس ، والصدّيقة الطاهرة منزّهة عنه ، فطرح النصوص التي فيها الصحيح والموثّق يتعارض مع ما ذكرنا لا سيما أنّ هذه المرويات قد بلغت حدّ التواتر رواها الفريقان شيعة وسنّة ، فاجتهاد مثل هذا
__________________
(١) مرسلة داود بن فرقد المروية في الوسائل ج ١٢ ص ٤١٣ ح ١ وج ٢ ص ٥٨٢ ح ٢.