والجواب :
إنّ الاعتراض المذكور على عدم كون الإمامة أصلا مبني على تفسير «الدين» في الآية بالأحكام الشرعية الفرعية ، وبحمل «الإكمال» فيها على بيانها ؛ لكنه تفسير خاطئ لقرينتين :
القرينة الأولى :
إنّ عامة مفسري الشيعة وتبعهم بعض مفسري العامة ، ذهبوا إلى أنّ يوم الإكمال الوارد في الآية المباركة هو يوم عرفة من حجّة الوداع ، مع ورود نصوص كثيرة تشير إلى نزول أحكام وفرائض بعد ذلك اليوم منها : أحكام الكلالة المذكورة في آخر سورة النساء ، ومنها آيات الربا في سورة البقرة / ٢٧٥ ـ ٢٧٨.
وقد روى العامة أنّ عمر بن الخطاب قال :
«من آخر القرآن نزولا آية الربا ، وإنه مات رسول الله ولم يبيّنه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم» (١).
وروى البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال : آخر آية أنزلها الله على رسول الله آية الربا» (٢).
القرينة الثانية :
إنّ مفردات الآية : «يئس الكفار ـ وإكمال الدين ـ وإتمام النعمة» لا ينسجم مع ما ذكر ، لأنّ تبيين بعض الأحكام في حجة الوداع لا يستدعي يأس الكفار من دين الإسلام ، لو لا أنّ الشيء الميئوس منه أمر عظيم الأهمية وله دخل في تثبيط مخططات المشركين والمنافقين ، فهناك أحكام كثيرة قد بيّنها النبي ولم يكن في تبيينه لها أي يأس عند المشركين ، فما بال هذا الحكم في هذا اليوم خصّ بمزية إتمام الدين وإكمال النعمة؟!! فيتعيّن أن تكون ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام هي الشيء الوحيد الذي أوجب المشركين أن ييأسوا منه بعد ما طمعوا فيه وحاولوا الاستيلاء عليه ، لأنهم كانوا يتوقعون أن الدين سيموت بموت رسوله ويرجّع المؤمنون إلى الكفر (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
__________________
(١) الدر المنثور للسيوطي : ج ١ ص ٣٦٥ وتفسير الرازي.
(٢) الدر المنثور للسيوطي : ج ١ ص ٣٦٥.