ملكة سبأ إليه كان لكثرة ما سمعته عن حكمته ودين التوحيد الذي كان يدعو الناس إليه ، فقد كان نبيّا ملكا ، آتاه الله تعالى من الحكمة والعلم ما لم يؤته أحدا في زمانه ، والسرّ الذي دعا النبي سليمان لأن يطلب من الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده هو لما أطلعه الله على فساد الذين سيرثونه من بعده ، وقد استجاب الله دعاءه ، فسرعان ما انقسمت مملكته من بعده فاختصّ ابنه رحبعام بجزء صغير من مملكة أبيه سليمان عاصمته القدس واطلق عليها اسم مملكة يهوذا ، أما الجزء الأكبر من المملكة فقد استقلّ به يربعام أحد المتمرّدين أيام حكم سليمان وأسّس فيه مملكة اسرائيل في منطقة نابلس التي كانت تسمّى بالسامرة. ونتيجة للحروب التي قامت بين مملكة يهوذا في القدس ومملكة إسرائيل في السامرة فقد ضعفتا وأصبحتا هدفا لاجتياح الفراعنة والآشوريين والبابليين حتى تلاشتا من الوجود ، وبذلك استجاب الله تعالى دعاء سليمان اياه بأن لا يهب ملكه لأحد من بعده ، فلم يملك أحد من بني إسرائيل ملكا كملك سليمان من بعده.
وبهذا ظهر لنا بطلان ما ادعاه اليهود من أن البشارة الواردة في المزمور ٧٢ جاءت بحقّ داود وسليمان عليهماالسلام.
كذا يبطل ادّعاء النصارى بأنّ هذه البشارة قد وردت بحقّ عيسى المسيح وذلك :
أولا : أنّ عيسى بن مريم لم يكن صاحب ملك ولم يحكم يوما واحدا بل على العكس كان لليهود السلطة عليه فقد أخذوه وأهانوه وضربوه وسخروا منه وقتلوه على حسب زعمهم. كما أنه لم يكن له ابن (فهو لم يتزوج في حياته) حتى يقال بأن الدعاء (واعط عدلك لابن الملك) جاء بحقّه.
ثانيا : أن السيد المسيح عليهالسلام لم يأت بأحكام جديدة حتى يقال بأنّ ما جاء في هذا الدعاء (واعط شريعتك للملك) ـ أو ـ (أحكامك لملك) مختصّ به عليهالسلام ، ويشهد لهذا خلوّ الأناجيل الأربعة الموجودة اليوم من الأحكام ، فالمسيح عليهالسلام اعترف بنفسه قائلا : «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل» (١).
وهكذا يتوضّح بطلان ادّعاءات كلّ من اليهود والنصارى حول هذه البشارة ،
__________________
(١) انجيل متّى : ٥ / ١٧.