ربّه لكي يرسلهما للناس لينشرا شريعته ويقيما عدله على الأرض بين الناس.
رابعا : هو أنه بعد أن دعا نبيّ الله داود عليهالسلام ربه لكي يرسل تلك الشخصية العظيمة المعبّر عنها ب «الملك» بالشريعة الإلهية ليحكم بها بين الناس ، شرع بالتحدث بصيغة الغائب مصوّرا لنا المستقبل بعد مجيء هذا المبشّر به الذي سيحمل شريعة الله إلى الناس حيث ستخضع لها الشعوب والأمم وسيقوم ابنه (أو حفيده) بإقامة عدل الله في الأرض بحسب قوانين هذه الشريعة الإلهية الخاتمة. إذا أنّ هاتين الشخصيتين العظيمتين ستأتيان بعد عصر داود عليهالسلام وهذا ما يبطل ادّعاء علماء اليهود من كون المقصود ب «الملك» هو داود عليهالسلام.
وإذا بطل بالتحقيق كون الشخصية الأولى ـ أي الملك ـ هي داود عليهالسلام بطل بالنتيجة كون الشخصية الثانية ـ أي ابن الملك ـ هي سليمان عليهالسلام.
هذا مضافا إلى أن اليهود أنفسهم يعتقدون كما جاء في سفر الملوك ١١ / ١ ـ ٢ : أنّ سليمان قد ارتدّ عن عبادة الله وعكف على عبادة الأوثان ، حيث أقام معابد مرتفعة للأصنام مقابل هيكل الربّ ، وكانت زوجاته يعبدن الأصنام في بيته : (وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري ، فأمالت نساؤه قلبه ، وكان في زمان شيخوخة سليمان أنّ نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه فذهب سليمان وراء عشتروت آلهة الصّيدونيين وملكوم رجس العمّونيين وعمل سليمان الشرّ في عينيّ الرب ولم يتبع الربّ تماما كداود أبيه ، حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل ...).
قد يقال أنّ أوصاف هذا الملك العظيم الواردة في هذه البشارة يمكن لها أن تنطبق على ملك سليمان حيث جاء في القرآن الكريم أنه دعا ربّه قائلا : (... وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهّاب) ، ويقولون أنّ سليمان دعا الله تعالى أن لا يؤتي مثل ما أوتيه من الملك لأحد من العالمين غيره. ولكن الحق أن يقال أن ما ذكره سليمان من الملك سؤال ملك يختصّ به لا سؤال أن يمنع غيره عن مثل ما أتاه ويحرمه عنه. كما أنّ الواقع التاريخي يثبت لنا أنّ مملكة سليمان لم تزدد سعة عمّا كانت عليه أيام أبيه داود ، وسلطته لم تكن إلا على بني إسرائيل فقط. فهو لم يملك مصر ولا العراق ولا حتى سوريا بل كان على علاقات ودّيّة في غالب الأحيان مع الممالك المجاورة لمملكته ، ومجيء بلقيس