قال تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) أي اطلب يا حبيبي محمد من المكلفين إقبالهم إلى سبيل ربّك ، والسبيل كما ورد في نصوص معتبرة : هو آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فإذا دعوت الله سبحانه يعني أنك طلبت إقباله عليك ، وسألته أن يقبل إليك بوجهه الكريم ، فإذا دعوته في أمر خاص يعني طلبت إقباله إليك من ذلك الوجه ومن ذلك الباب ، كما توجهت إليه من ذلك الباب ، فإذا أقبلت على الله سبحانه من وجه العافية ألقى مثال وجهه ذلك عليك فعافاك ، وإذا أقبلت إليه من وجه الغنى ألقى سبحانه مثال وجهه ذلك عليك فأغناك واستغنيت به عمّن سواه ، وهكذا فإنّ الله سبحانه لا يقبل على عبد بذاته المقدّسة وإنما يقبل عليه بمشيئته الماضية ، ولها رءوس ووجوه بحسب ذرّات الموجودات ، ولتلك الرءوس مظاهر ومجال هي أبواب ظهور آثار تلك الرءوس منها على حسبها ، فلها وجه ظاهر من باب الغنى ، ووجه ظاهر من باب العافية ، ووجه ظاهر من باب المغفرة ، ووجه ظاهر من باب العفو ، ووجه ظاهر من باب الرحمة ، وهكذا تلك الأبواب هي مجال ومظاهر لمحل المشيئة الكلي ، فإنه الباب الكلي ، وتلك المجالي شئونه وأطواره ، فإنه أصل كل خير ومعدنه ومأواه ومنتهاه ، فأنت إذا قرعت بابا من تلك الأبواب ووقفت عليه مبتهلا خالصا في التوجّه منقطعا عن غيره ودعوته أن يقبل عليك من ذلك الباب أقبل عليك وفتحه على وجهك ؛ فإذا فتح باب المغفرة على وجهك فاض عليك المغفرة وإذا فتح على وجهك باب العافية أفاض على وجهك العافية لتفوز مشيته الكلية عنه وانصباغها فيه ، وذلك الباب الخاص مكنون فيك مخزون عندك ومفتاحه الدعاء ؛ فإذا صوّرت نفسك بصورة المغفرة فهي منك طلب مغفرة ومنه سبحانه عطاء المغفرة ، وتصويرك بالمغفرة أن تتوجه نفسك إلى الاسم الغفّار العام الكلي حتى يقع شبحه فيها فتتصوّر بصورة الغفّار فينطبع صورة الغفّار في شبحك فيصير خيالك منشأ أثر المغفرة فتغفر لمستحق المغفرة من إخوانك المؤمنين ولمن أساء إليك ، فإذا غفرت لمستحق المغفرة كما قال سبحانه : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) صدقت حينئذ في توجّهك إلى الاسم الغفّار ويتوجّه إليه بدنك حتى يقع عليه شبحه فيظهر منه آثار المغفرة في الظاهر بالنسبة إلى الناس المستحقين ، فإذا قرعت باب المغفرة وطلبت منه المغفرة فيتوجه سبحانه من هذا الباب بمشيته في توجهك الخاص الذي هو