الباب الخاص المعدّ لك فهو منك باب طلب ، ومنه باب عطاء.
واعلم أنّ الله سبحانه يفيض بمشيته على القابليات الإمكانية وهو عطاء غير مجذوذ وغير محظور ، فليس لربّك قرابة مع أحد ، ولا له خصوصية بأحد إلّا من ارتضى ، وليس فيه منع عن أحد ، وإنما عطاؤه شامل على البرّ والفاجر فمن اغترف من ذلك البحر نال نصيبه منه على حسب اغترافه وسعة إنائه وضيقه وسرعته وبطئه ، ومن لم يغترف لم ينل منه شيئا (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) وطلب العطاء من غير مسألة واغتراف منه سبحانه أمنية (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (النساء / ١٢٤) ؛ وحيث إنه سبحانه خلق من جوده الماء ، فمن شرب روي ، ومن لم يشرب لم يرو ، وخلق الهواء فمن تنفّس عاش ، ومن لم يتنفس لم يعش ، وخلق المعدن ، فمن عمل استخرج الجوهر ، ومن لم يعمل لم يخرج شيئا ، فليس للإنسان إلّا ما سعى وأنّ سعيه سوف يرى ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره ، وكذلك إنّ الله سبحانه أنزل من السماء عطاء عاما شاملا يعمّ الدنيا والآخرة والجواهر والأعراض فليغترف مغترف بقدر ما يشتهي ، وليرج ربه أن لا يمنعه العطاء ، وأنه إذا اغترف يمتلئ إناؤه من فضله ، ويعطى ما يسأل ثم ليعمل على حسب رجائه كما يرجو في أمور دنياه ويعمل لها بقدر رجائه حرفا بحرف ، وليحسن ظنّه بربه في فضله وجوده وليؤمن به وبقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة / ١٨٧) وذلك إنّ لمن يدع لم يغترف ، ومن لم يغترف لم ينل ماء ، ومن لم ينل ماء مات وهلك ووقع في نار العذاب والعطش المؤلم.
ولمّا كان للإنسان مراتب من بدء وجوده إلى منتهى شهوده وكل مرتبة منه على حسب عالم من العوالم كان لكل مرتبة منه طريقة اغتراف وهي عباداته الموظّفة في الشرع التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون ونزلت بها الكتب السماوية والشرائع الإلهية فجميع صنوف العبادة من جميع جهاتها وجوه اغتراف من بحر عطاء الله ، والعامل بها سائل جميع جهات الخير والفضل من الله سبحانه ، فهو البحر الزخّار المحيط بعالم الإمكان ، فهو جوّاد كريم لا تعطيل فيه ولا امتناع ولا نقصان أو تأخير ، وإنما النقصان في الآخذ منه ، ولا تقل إني دعوت ولم يستجب لي فإنه محال في عرصة الفضل والوعد بعد المنحة العامة ، وإنما النقصان منك