وطلبك ، فمن طلبه وجده البتة وهو قبل الدعاء ومع الدعاء وبعد الدعاء حاضر عتيد ، فسل تعط ، وادع تجب ، وفي الدعاء : «ربّ من ذا الذي دعاك فلم تجبه ومن ذا الذي سألك فلم تعطه».
والسرّ في الإعطاء وعدمه ؛ أنك إذا دعوت بلسانك ولكن ذرّات وجودك كان بخلاف لسانك ، أو هي معرضة مدبرة فحينئذ لا يمكن أن يستجاب للداعي ، ولا يمكن له أن يقول دعوت فلم يستجب لي ، ألا ترى أنك لو زرعت ولم ينبت يكون التقصير منك بأن تكون قد حرثت الأرض بعد الزرع فتفسده ، أو أنك لم تحرث الأرض قبل الزرع أو كان الحبّ فاسدا أو كان في غير أوانه ، أو كانت الأرض سبخة أو لم تسقه ماء أو لم تمنع عنه سائر الآفات ، كل ذلك مما يفسد الزرع ، كذلك بالنسبة إلى استجابة الدعاء وعدمه ، فلا خلف في وعده ولا نقص في حكمه ، فمن يزرع حقيقة وبالشروط المعتبرة للزراعة يجد الزرع الحقيقي وكذلك من دعا بشرط الدعاء استجيب له حقيقة ومن رأى خلاف ذلك من نفسه فليعلم أن النقص من الدعاء والمسألة فليصلحهما ولا ييأس من الله تعالى ومن عطائه وجوده ، فمن اغترف بالمنخل ولم يصب ماء فلا ينبغي أن يقنط من البحر وييأس منه ويعتقد أنّه لا ماء فيه ، وإنما ينبغي أن يعتقد أنّ العيب في المغرفة ويبادر إلى إصلاحها فإن أصلحتها وإلّا فعجزك عن إصلاحها وجزعك على ذلك وانكسارك وسخطك على نفسك معرفة واسعة تسع كثيرا من الماء إن شاء الله (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) ولا يقنط من روح الله : قال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال أيضا : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).
أما القنوط من النفس فجائز حيث إنه سبحانه في هذه الآيات لم يقل لا تقنطوا من أنفسكم ولا تيأسوا من أنفسكم ، بل المؤمن قانط من نفسه ، من أن تقدم على شرّ أو سخط يوجب بعدها عن ساحته عزوجل.
فالمؤمن دائما قانط آيس من نفسه متعمد ومتكل على مولاه الحق سبحانه ، راج منه محسن ظنه به ، مقبل عليه بالخضوع والتضرّع والابتهال والاعتذار والإقرار والازدراء على نفسه أبدا والسعي في إصلاحها ، ولا يشك أنه لو لا فضل الله سبحانه لم يقدر المؤمن على خير أبدا بل لو لا فضله سبحانه لم يكن المؤمن شيئا مذكورا ؛ إذ بفضله وجوده وجد الموجودات ؛ ورد عن أبي عبد الله عليهالسلام