واتّسعت جنته ووفر خيره وظهرت عليه آثار الربوبية حتى تحققت فيه وكل ذلك بالدعاء ، والدعاء من متممات القابلية ومكملاتها وليس كما يتصوّر البعض أنّ الله تعالى هو الرءوف الرحيم وأبرّ من الوالد الشفيق وخبير عليم يعلم حاجتي وصلاحي فيدبّر أمري ولا حاجة إلى المسألة أو كما يقولون أنه يخالف الرضا والتسليم.
والجواب :
أولا : إنّ الله سبحانه بعظيم حكمته أوجد الأشياء على التسبيب والترتيب فيما بينها ، فربط المسبّبات بالأسباب ، ورتّب بعضها على بعض وجعل بعضها سببا وواسطة لبعض آخر وهو مسبّب الأسباب ، ومن جملة الأسباب لبعض الأمور الدعاء والتصدّق وأمثالهما ، فكما أنّ شرب الماء سبب رتّبه مسبّب الأسباب لإزالة العطش ، ولو لم يشربه لكان عطشه باقيا إلى أن يؤدي إلى هلاكه ، وشرب المسهّل سبب لدفع الأخلاط الردية ولو لم يشربه لبقيت على حالها ، فكذلك الدعاء سبب رتّبه الله تعالى لدفع البلايا والشرور ورفعها ، ولو لم يدع لنزل البلاء ولم يندفع.
ثانيا : إنّ الدعاء قد تعبّدنا به الشرع الحنيف وكثرت له أدعية الأنبياء والأولياء وقد كانوا في أعلى درجات الرضا والتسليم وقد أثنى سبحانه على بعض عباده بقوله تعالى : (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً).
والحكمة في تعبّده عباده بالدعاء لما يستبطنه الدعاء من ذلّ الجوارح وخشوع القلب ورقة التضرّع ، «ويكون ذلك جلاء للقلب ومفتاحا للكشف وسببا لتواتر مزايا اللطف ، كما أنّ حمل الكوز وشرب الماء ليس مناقضا للرّضا بقضاء الله تعالى في العطش وشرب الماء طلبا لإزالة العطش ومباشرة سبب رتّبه مسبّب الأسباب فكذلك الدعاء سبب رتّبه الله تعالى وأمر به» (١).
ولو تأملنا الآيات الواردة في الحثّ على الدعاء وأنّ تاركه يعدّ مستكبرا لارتفع الإبهام والإشكال ، كقوله تعالى :
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف / ٥٦).
__________________
(١) لاحظ المحجة البيضاء : ج ٨ ص ٩٨ ط. قم.