ومنها ما يعلمك كيف تناجيه وتخلو به بسرّك وتنقطع إليه ، ومنها ما يبسط لك معنى الصلاة على نبيّه ورسله وصفوته من خلقه وكيفيّتها ، ومنها ما يفهمك ما ينبغي أن تبرّ به والديك ، ومنها ما يشرح لك حقوق الوالد على ولده أو حقوق الولد على والده أو حقوق الجيران أو حقوق الأرحام أو حقوق المسلمين عامّة أو حقوق الفقراء على الأغنياء وبالعكس ، ومنها ما ينبهك على ما يجب إزاء الديون للناس عليك وما ينبغي أن تعمله في الشئون الاقتصادية والمالية ، وما ينبغي أن تعامل به أقرانك وأصدقائك وسائر الناس ومن تستعملهم في مصالحك ، ومنها ما يجمع لك بين جميع مكارم الأخلاق ويصلح أن يكون منهاجا كاملا لعلم الأخلاق. ومنها ما يعلمك كيف تصبر على المكاره والحوادث وكيف تلاقي حالات المرض والصحّة ، ومنها ما يشرح لك واجبات الجيوش الإسلامية وواجبات الناس معهم ... إلى غير ذلك ممّا تقتضيه الأخلاق المحمدية والشريعة الإلهية ، وكلّ ذلك بأسلوب الدعاء وحده.
وتمتاز أدعية الإمام في عدّة أمور :
الأول : التعريف بالله تعالى وعظمته وقدرته وبيان توحيده وتنزيهه بأدقّ التعبيرات العلمية ، وذلك يتكرر في كلّ دعاء بمختلف الأساليب ، مثل ما تقرأ في الدعاء الأول :
«الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين. ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا واخترعهم على مشيئته اختراعا».
فتقرأ دقيق معنى الأول والآخر وتنزّه الله تعالى عن أن يحيط به بصر أو وهم ، ودقيق معنى الخلق والتكوين ، ثم تقرأ أسلوبا آخر في بيان قدرته تعالى وتدبيره في الدعاء السادس : الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوّته وميّز بينهما بقدرته ، وجعل لكل منهما حدّا محدودا ، يولج كلّ واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه ، بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به وينشئهم عليه ، فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النصب ، وجعله لباسا ليلبسوا من راحته ومقامه ، فيكون ذلك لهم جماما وقوة لينالوا