الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ...) (النساء / ٦٥).
فالآية ربطت توبة الله عليهم باستغفار رسول الله لهم ، فما لم يستغفر لهم الرسول لم يتب الله عليهم ، فعدم استغفار الرسول لهم يعتبر دليلا على أنهم لا يستحقّون المغفرة ، ويشهد لهذا مورد نزول الآية الدالّ على أنّ اثني عشر رجلا من المنافقين ائتمروا فيما بينهم واجتمعوا على أمر مكيدة لرسول الله فأتاه جبرائيل فأخبره بها فقال عليهالسلام إنّ قوما دخلوا يريدون أمرا لا ينالونه فليقوموا وليستغفروا الله وليعترفوا بذلك حتى أشفع لهم ، فلم يقوموا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرارا لا تقومون! فلم يقم أحد منهم ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : قم يا فلان قم يا فلان حتى عدّ اثنى عشر رجلا ، فقاموا وقالوا : كنّا عزمنا على ما قلت ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا ، فاشفع لنا ، فقال : «الآن أخرجوا عني أنا كنت في أول أمركم أطيب نفسا بالشفاعة ، وكان الله أسرع إلى الإجابة» فخرجوا عنه حتى لم يرهم.
فالآية تجيب ضمنا على كلّ الذين يعتبرون التوسل بالنبي أو بالإمام نوعا من الشرك ، فالتوسّل بالنبي والاستشفاع به إلى الله وطلب الاستغفار منه لمغفرة المعاصي مؤثر وموجب لقبول التوبة وشمول الرحمة الإلهية. فلو كانت وساطة النبي ودعاؤه للعصاة المتوسلين به والاستشفاع به وطلب الاستغفار منه شركا فكيف يمكن أن يأمر الله تعالى العصاة والمذنبين بمثل هذا الأمر ، فقوله تعالى : (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) إشارة إلى أن يستفيد النبي من مقامه ومكانته ويستغفر للعصاة التائبين تماما كاستغفار إبراهيم لأبيه (عمّه) ، ومنطوق الآيات التي تنهى عن الاستغفار للمشركين حيث دلّ مفهومها على جواز الاستغفار للمؤمنين.
مضافا إلى ذلك فإنه تعالى وضّح هوية الشفعاء بقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف / ٨٧).
حيث ذكر سبحانه أن المشركين الذين يجعلون من دونه وسطاء من الأصنام وغيرها غير قادرين على الشفاعة لبطلان ما يتشفعون به وهو الأصنام إلّا جماعة من الناس وهم المؤمنون الذين يتخذون بعض الصالحين شفعاء لهم عند الله تعالى ليسقط العقاب عن المذنبين المتشفعين ، فأداة الاستثناء (إِلَّا) تصرّح بوضوح عمل تلك الصفوة للشفاعة الحقّة.
رابعا ـ لو كان مطلق طلب الشفاعة شركا لكانت الاستعانة «بالصبر والصلاة»