خلاف الأدلة النقلية والعقلية ، وأمّا الشفاعة التي يفهمها الشيعة والسنة طبقا للموازين الشرعية والضوابط العقلية فهذا ممّا لا ريب فيه ولا شك يعتريه.
(٢) إنّ الخلط بين الشفاعة السائدة في المجتمع المادّي والشفاعة المصطلحة أدّى إلى استنكار الطنطاوي لبعض تفاصيل الشفاعة ، لأنها لو كانت عاملا للجرأة على المعاصي لكان الوعد بالمغفرة عاملا للجرأة أيضا ، مع أن الله سبحانه وعد بها بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء / ١١٧).
وهل يصحّ أن يقال هنا : إنّ الله تعالى جرّأ العصاة على المعصية لأنه وعدهم بالمغفرة؟! ... إنّ الله سبحانه كما وعد بالمغفرة (ومنها الشفاعة) كذا أوعد بالعقاب كما قال تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (الرعد / ٧) وكما في قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (النساء / ٣٢).
فهل يجد المستشكل الطنطاوي وأمثاله في نفسه أنّ هذا التشريع يوجب جرأة على ارتكاب بعض السيئات رجاء غفرانها بالاجتناب من الكبائر؟!
(٣) إنّ الشفاعة بمعناها القرآني تبعث الأمل في نفوس العصاة حتى لا ييأسوا من روح الله ورحمته ، فلا يغلبهم الشعور بالحرمان من عفوه فيتمادوا في العصيان.
وهذا الاعتقاد بالرغم من أنّ البعض لاقاه بالاعتراض من حيث إنه يوجب الجرأة ويحيي روح التمرد في العصاة والمجرمين ، لكنه وكما نعتقد يتسبّب في إصلاح سلوك المجرم فيعود للتوبة والإنابة. ومن هنا يتوضح لك الحال إذا لاحظنا مسألة التوبة ـ من دون ارتباط بالشفاعة ـ فإنّه لو كان باب التوبة موصدا في وجه العصاة والمذنبين ، واعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرّة واحدة أو مرات سيخلّده في نار جهنم فلا ريب أنّ هذا الاعتقاد سيوجب التمادي في اقتراف السيئات وارتكاب الذنوب ، لأنه يعتقد حينئذ بأنّه لو غيّر وضعه وسلوكه في مستقبل أمره لا يقع ذلك مؤثرا في مصيره وخلوده في عذاب الله ، فلا وجه لأن يترك المعاصي ما دام لن يخرج من نار جهنم ، بل سيستمرّ على وضعه السابق حتى يوافيه الأجل ، وهذا بخلاف ما إذا وجد الجوّ مشرقا والطريق مفتوحا ،