واعتقد بأن الله سيقبل توبته وأنّ رجوعه سيغيّر مصيره في الآخرة ، فعند ذلك سيترك العصيان ويستغفر لذنوبه ويطلب الإغضاء عن سيئاته ، فهذا الاعتقاد يولّد اشراقة أمل وبصيص نور في النفس لتسلك طريق الطاعة والعبادة والفضيلة ، فالاعتقاد بالشفاعة مثل الاعتقاد بأنّ الله سيغفر للعاصي ، لأنّ المشفوع له إذا اعتقد بأن أولياء الله تعالى سيشفعون في حقّه ضمن شرائط معينة بحيث لم يبلغ حدّا لا تنفع معه شفاعة الشافعين ، فعند ذلك سوف يعيد النظر في مسيره ويحاول تطبيق نفسه على شرائط الشفاعة حتى يستحقّها. فالشفاعة الموجبة للتجرّؤ ومواصلة العناد والتمرد هي الاعتقاد بأنّ الأنبياء والأولياء سيشفعون في حقه يوم القيامة على كلّ حال حتى ولو كفر بالله وقتل الأنبياء والأولياء ، وقد يغفر الله لقاتل الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام وأئمة آل البيت عليهمالسلام بنظر هؤلاء الذين فهموا الشفاعة فهما منكوسا.
إنّ الشفاعة المقبولة هي التي لم يقطع المشفوع له العلائق الروحية مع الشافعين بحيث لا يتمرّد عليهم قلبا ، فما دامت الوشائج الروحية باقية مع الشافعين ولم يصل التمرّد إلى حد القطيعة فإن الشفاعة حينئذ تبقى معقولة ومقبولة. فالعاصي يستحقّ العقاب لعصيانه ، ويستحقّ الرحمة لاعتقاده ، والله سبحانه عند ما تقبّل شفاعة الشفيع في العاصي وهو عالم بها منذ الأزل (لأنّ إرادته لا تغيّر من علمه) ومريد لها لحسن اعتقاد العاصي ، فالإرادة كانت حاصلة الله تعالى مذ علمه الأزلي لا سيما على المبنى القائل بأنّ الإرادة من صفات الذات لا الأفعال ، فعند ما نقول : إنّ الله مريد أي عالم باشتمال الفعل على المصلحة الداعية إلى إيجاده ، فقبول الله لشفاعة الشفيع يستلزم إرادته تعالى لها لعلمه أن المصلحة هي في قبول شفاعته ليظهر فضل الشفيع ، فالإرادة بمعنى علمه بالمصلحة ، فإرادته عزوجل تعلّقات بالمغفرة قبل وبعد الشفاعة ، فالله هو الذي ألهم الشفيع أن يشفع للمشفوع له ، لأنّ الشفاعة فرع رحمته الرحيمية المطلقة ، وعلى المبنى القائل بأن الإرادة من صفات الأفعال تكون إرادته عزوجل قد تعلّقت بالمغفرة بعد طلب الشفيع ، لكن ليس بمعنى أنه عزوجل لم يكن راضيا أن يغفر للمشفوع له ثم رضي عنه نتيجة توسّط الشفيع ، بل أنه كان مريدا لها قبل شفاعة الشفيع فارتأت المصلحة (كما قلنا أن الإرادة ـ وكما فسرها المتكلّمون ـ هي علمه باشتمال الفعل على المصلحة الداعية إلى إيجاده) أن يربطها ـ أي المغفرة ـ