بل هم يريدون من أتباعهم أن يكونوا دعاة للحقّ وأدلاء على الخير والرشاد ، ويرون أنّ الدعوة بالعمل أبلغ من الدعوة باللسان : «كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع». (١)
ونحن نذكر لك الآن بعض المحاورات التي جرت لهم مع بعض أتباعهم ، لتعرف مدى تشديدهم وحرصهم على تهذيب أخلاق الناس.
١ ـ محاورة أبي جعفر الباقر مع جابر الجعفي (٢) :
«يا جابر ، يكتفي من ينتحل (التشيّع) أن يقول بحبّنا أهل البيت! فو الله ما (شيعتنا) إلّا من اتقى الله وأطاعه».
«وما كانوا يعرفون إلّا بالتواضع ، والتخشع ، والأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم والصلاة ، والبرّ بالوالدين ، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام ، وصدق الحديث وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء» ، «فاتقوا الله واعملوا لما عند الله! ليس بين الله وبين أحد قرابة. أحبّ العباد إلى الله عزوجل أتقاهم وأعملهم بطاعته» (٣).
يا جابر ، والله ما تتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة وما معنا براءة من النار (٤) ، ولا على الله لأحد من حجّة من كان لله مطيعا فهو لنا وليّ
__________________
(١) نفس المصدر باب الورع.
(٢) نفس المصدر باب الطاعة والتقوى.
(٣) وبهذا المعنى قال أمير المؤمنين في خطبته القاصعة : (إنّ حكمه في أهل السماء وأهل الأرض واحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين).
(٤) فقوله عليهالسلام : «وما معنا براءة من النار» معارض بالنصوص المتواترة الدالّة على أن لهم عليهمالسلام الشفاعة للمذنبين ، ولو سلّمنا بصحة صدور الحديث عنهم عليهمالسلام فلا بدّ من تأويل العبارة هذه بما يلي :
أ ـ المقصود من العبارة أنه ليس معنا براءة من النار لكلّ الناس بل البراءة مختصة بالمستحقّين لها.
ب ـ أو يكون المقصود ـ والله أعلم ـ أنه ليس معنا براءة كاملة لعصاة الشيعة من النار بل سوف يعذّبون فترة ثمّ تنالهم البراءة والشفاعة. للحديث المتفق عليه بين الفريقين عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. (الشارح).