ركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام وألبستكم العافية من عدلي ، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي ، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي ، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا تتغلغل إليه الفكر ...» (١).
وبالجملة فإنّ أئمة الهدى عليهمالسلام كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الفتوحات أو الحروب مصلحة ، بل لا يرون نفس تلك الحروب خيرا ، فقد روي عن مولانا الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال لعبد الملك بن عمرو : «يا عبد الملك ، ما لي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟ قال : قلت : وأين؟ قال عليهالسلام : جدّة وعبادان والمصيصة وقزوين ، فقلت : انتظارا لأمركم والاقتداء بكم ، فقال عليهالسلام : أي والله لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، قال : قلت له : فإنّ الزيدية يقولون ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلّا أنه لا يرى الجهاد ، فقال عليهالسلام : أنا لا أراه؟! بلى والله إني لأراه ولكنّني أكره أن أدع علمي إلى جهلهم» (٢).
وثمة روايات أخرى تدل على أنهم عليهمالسلام كانوا لا يشجّعون شيعتهم بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب ، ولا يوافقون حتى على المرابطة في الثغور أيضا ، ولا يقبلون منهم حتى ببذل المال في هذا السبيل ولو كان نذرا ، ففي رواية علي بن مهزيار قال : كتب رجل من بني هاشم إلى أبي جعفر الثاني عليهالسلام أني كتب نذرت نذرا منذ سنين أن أخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا مما يرابط فيه المتطوّعة نحو مرابطتهم بجدة وغيرها من سواحل البحر ، افترى جعلت فداك أنه يلزمني الوفاء به أو لا يلزمني أو أفتدي الخروج إلى ذلك بشيء من أبواب البرّ لأصير إليه إن شاء الله؟ فكتب إليه بخطّه وقرأته : إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته وإلا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البرّ وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى» (٣).
__________________
(١) نهج البلاغة ج ١ ص ١٥٣ الخطبة ٨٣ بشرح محمد عبده ، والخطبة ٨٧ بشرح صبحي الصالح.
(٢) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٣٢ ح ٢ باب ١٢ (اشتراط وجوب الجهاد بأمر الإمام وإذنه).
(٣) نفس المصدر ج ١١ ص ٢١ ح ١ باب ٧ (حكم من نذر مالا للمرابطة).