تتصل بالبدن نفسه الخاصّة به لا يمكن أن تنتقل إليه نفس أخرى إذ لا تجتمع نفسان في بدن واحد ، كما لا يشترك بدنان في نفس واحدة ، فلو تعلّق بالبدن نفس مستنسخة أيضا لزم اجتماع نفسين على بدن واحد وهو باطل.
وبعبارة أخرى : «إنّ البدن متى كمل استعداده واعتدل مزاجه صلح لقبول النفس المفاضة عليه من واهب الصور وبالتالي تكون هذه الإفاضة ضرورية حينذاك حيث لا بخل في مبدأ الفيض على الإطلاق سوى عدم قابلية المحل ، فإذا كمل واستعدّ تحقّقت الإفاضة بلا تراخ أو مهلة. فالبدن الصالح للقبول لا ينفك عن إفاضة نفس مناسبة عليه في حينه. إذن ، لو تعلّقت به نفس أخرى على سبيل التناسخ لزم أن يكون لبدن واحد نفسان ، ولوجود واحد ذاتان وهذا خلاف الوجدان إذ ما من شخص إلّا ويشعر في قرارة نفسه أنّه واحد ذاتا» (١).
الرابع : إنّ النفس على فرض التناسخ تبقى معطّلة في الفترة ما بين التجسّدين : السابق واللاحق ، ولا تعطيل في الوجود. وبعبارة أخرى : (إن النفس إذا فارقت البدن كان آن مفارقته عن البدن الأول غير آن اتّصاله بالبدن الثاني ، وبين كلّ آنين زمان ، فيلزم كونها بين البدنين معطّلة عن التدبير والتعطيل محال) (٢).
الخامس : إنّ القول بالتناسخ مخالف لقانون الارتقاء الطبيعي الذي أصبح من أولويات العلم في عصرنا الحاضر فيكون القول بالتناسخ رجوعا إلى القهقرى يعاكس قانون الارتقاء المذكور ، لأنّ الإنسان الذي قضى دورة حياته في مدارج الترقّي والتقدّم للفضائل أو الرذائل ، أي بعد ما تحقّق ما في النفس بالقوة إلى الفعل لا تعود إلى البدء ولا ينقلب الفعل قوة بعد ما خرجت إليه.
ولصدر المتألهين هاهنا كلام رشيق ومتين في نقض ونفي التناسخ مطلقا يجدر بنا ذكره ، قال : «إنّ النفس لها تعلّق ذاتي بالبدن ، والتركيب بينهما تركيب طبيعي اتحادي ، وإنّ لكلّ منها مع الآخر حركة ذاتية جوهرية ، والنفس في أول حدوثها أمر بالقوة ، في كلّ ما لها من الأحوال وكذا البدن ، ولها في كلّ وقت شأن آخر من الشئون الذاتية بإزاء سنّ الصّبا والطفولية والشباب والشيخوخة
__________________
(١) أسفار صدر المتألهين ج ٩ ص ١٠ م ٥ بتصرّف ببعض ألفاظه.
(٢) المصدر السابق ص ١٢.