والجواب :
أولا : أراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من فعله هذا أن يهيئ المسلمين لقبول قاعدة «الجدارة والكفاءة» في ولاية أمورهم من الناحية العملية ، فليست الشهرة أو الجاه أو المال أو النسب أو تقدم العمر هو الأساس لاستحقاق الامارة والولاية ، لذا عبّرا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أسامة بأنه كان جديرا بالإمارة كما كان أبوه من قبل.
ثانيا : لكي يترسخ في أذهان المسلمين أنّ صغر السنّ ليس عائقا ولا شرطا لقيادة الجيوش والمجتمعات ، فإذا جاز لأسامة بن زيد قيادة جيش إسلامي كبير ينضوي تحته مشايخ كبار ، فبطريق أولى جاز للإمام علي عليهالسلام أن يتولى الخلافة وهو لا يتجاوز الثلاثين من عمره.
ثالثا : أراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك تبعيدهم عن المدينة ساعة وفاته ـ وهذه هي الغاية من إرسالهم في الجيش ـ لئلا يطمعوا في الخلافة خشية أن يزيحوها عن صاحبها الشرعي مولى الثقلين علي بن أبي طالب عليهالسلام وقد ثبت لدينا بما نملك من قرائن خارجية أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتوجس منهم خيفة على أهل بيته عليهمالسلام ، لذا نراه صلوات الله عليه وآله قد أمر بإرسال كل من تتطاول نفسه إلى الرئاسة ، ولم يدخل في الجيش الإمام عليا عليهالسلام ولا أحدا ممن يميلون إليه أمثال : سلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري والمقداد وعمار بن ياسر وخيرة أصحابه عليهالسلام.
رابعا : أراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك أن يقيم الحجة على الناس أن من لم يكن جديرا لأن يقود جيشا فكيف يكون جديرا لقيادة مجتمع بكامله ، وهي ولاية أمور جميع المسلمين قاطبة؟!!
إذن كانت الغاية عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبعّدهم عن ساحة المدينة ، ويروم من خلال ذلك شيئين :
الأول : ليكشف للمسلمين زيف هؤلاء وكذبهم وخبث سرائرهم.
الثاني : ليكون ذلك حجة على المستصغرين سنّة ، ودليلا على عدم صلاح غيره لهذا المنصب.
فإذا كان إخلاء المدينة من منافس الإمام علي عليهالسلام لم يتم لتمانع القوم وعرقلتهم لتحرك الجيش ، فإن الحجة ثابتة مع الدهر.
وما ادعاه الأشاعرة من أن القوم إنما تخلّفوا عن جيش أسامة لصغر سنّة ،