بنظر التحقيق ليس سببا حقيقيا لتخلفهم ، وإنما لأجل أن يبقوا بجانب النبي ليتمّ ما اتفقوا عليه سابقا وخططوا له سرا ألا وهو غصب الخلافة من أصحابها الشرعيين ، وإلّا لو كان صغر السنّ سببا برأسه لما تنفّذ البعث بعد أن تمّ أمر الخلافة ، والدليل على ما قلنا أن عمر بن الخطاب ذهب مع أسامة ثم أرسل أسامة عمر بن الخطاب وجماعة معه ـ كما يدّعى ابن الأثير (١) ـ إلى أبي بكر خوفا وحرصا منه من أن يتخطّف المشركون المسلمين وخليفتهم أبي بكر ، وكيفما تكونوا يولّى عليكم.
عود على بدء :
قلنا أن كبار الصحابة اعترضوا على بيعة أبي بكر ، وعلى رأسهم مولى المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فقد روى ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة :
أن أبا بكر تفقد قوما تخلّفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر بن الخطاب ، فجاء فناداهم وهم في دار علي عليهالسلام ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن ، فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا اسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردوا لنا حقا ، فأتى عمر أبا بكر ، فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : اذهب فادع لي عليا ، قال : فذهب إلى علي فقال له : ما حاجتك؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبكى أبو بكر طويلا ، فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه ، فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفذ ، فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته، فقال : سبحان الله؟ لقد ادعى ما ليس له ، فرجع قنفذ ، فأبلغ الرسالة ، ثم قام عمر ، فمشى معه جماعة ، حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا
__________________
(١) الكامل لابن الأثير : ج ٢ / ٣٣٤ باب إنفاذ جيش أسامة.