عقولنا وتفكيرنا ، فإنّ الإسلام جاء رحمة لينقذ العالم الإسلامي من الهمجية والجاهلية ساكتا عن أعظم أمر مني به الإسلام والمسلمون مع أنه كان على علم به؟ فما علينا إلّا أن نتّهم التاريخ والحديث بالكتمان وتشويه الحقيقة بقصد أو بغير قصد ، ولئن لم يكن محمّد نبيّا مرسلا يعلم عن وحي ويحكم بوحي ، فليكن ـ على الأقل ـ أعظم سياسيّ في العالم كله لا أعظم منه ، فكيف يخفى عليه مثل هذا الأمر العظيم لصلاح الأمة بل العالم بأسره مدى الدهر ، أو يعلم به ولا يضع له حدّا فاصلا؟
وهل يرضى لنفسه عاقل يتولى شئون بلده فضلا عن أمّة أن يتركها تحت رحمة الأهواء واختلاف الآراء ولو لأمد محدود وهو قادر على إصلاحها ، أو التنويه عن إصلاحها إلّا أن يكون مسلوبا من كلّ رحمة وإنسانية؟ حاشا نبيّنا الأكرم من جاء رحمة للعالمين ومتمما لمكارم الأخلاق وخاتما للنبيين! وقد قال تعالى على لسانه بعد حجة الوداع (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...) وقد وجدناه نفسه لا يترك حتى المدينة المنورة ، إذا خرج لحرب أو غزاة من غير أمير يخلفه عليها ، فكيف نصدّق عنه أنه أهمل أمر هذه الأمة العظيمة بعده إلى آخر الدهر من دون وضع قاعدة يرجعون إليها أو تعيين خلف بعده» (١).
رابعا : كيف يعقل أن ينسب إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه فوّض أمر تعيين الخليفة إلى الأمة المتمثلة بأهل الحل والعقد ، وقد حدّثنا التاريخ أنّ أهل الحل والعقد أو ما يعبّر عنهم بكبار الأمة هم بؤرة الخلاف والنزاع ، وهكذا على مرّ العصور حيث ترى الطبقة الخاصة مع اختلاف نفوسهم ، وتباين نزعاتهم كسائر الناس لا ينفكون عن تحيزات فيهم أعظم منها في غيرهم ، ويندر أن يتجرّدوا عن أهواء نفسيّة وأغراض شخصية ، تجعل كل فرد يشرئب إلى هذا المنصب أو ذاك ، فهل أمر كهذا مع أهميته وخطورته يوكل إلى من وصفنا ، وهل يعقل أن أبا بكر تفطّن إلى سوء عواقب هذا التشريع دون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! فأسرع إلى تعيين الخليفة من بعده ، وكذا حذا حذوه خليفته عمر فاخترع طريقة الشورى من ستة أشخاص مع عدم اتفاقهم على رأي فصغى رجل لضغنه ، ومال الآخر لصهره على حدّ تعبير مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام فتنسب الفطانة إلى الشيخين دون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي لا يفعل
__________________
(١) السقيفة للمظفر ص ٣٠.