كل بر وفاجر جائز عندهم بخلاف أمر الخلافة ، إذ يشترط فيها العدالة والشجاعة والقرشية على رأي المشهور عند السنّة ، وأما أمر إمامة الصلاة فلا يعتبر في الإمام شيء من الشجاعة أو العلم الكثير وغيرهما من الشروط التي لا بدّ من توفرها في إمامة المسلمين ، لأنّ الخلافة الإسلامية لمّا كانت نوع سلطنة وحكومة في جميع أمور الدين والدنيا لا بدّ في المتحلي بها أن يكون ملما بعلوم كثيرة لم يكن شيء منها موجودا في أبي بكر (١).
٣ ـ إنّ الشيعة ينكرون كون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قدّم أبا بكر للصلاة ويقولون : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر الناس في مرضه بالصلاة ، فقالت عائشة بنت أبي بكر لبلال : انه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر أن يؤم أبو بكر الناس ، فلمّا اطّلع النبي على هذا الحال المورّث للفساد ، رفع يده المباركة على منكب الإمام علي عليهالسلام وأخرى على منكب الفضل بن عباس ، وخرج إلى المسجد ونحّى أبا بكر عن المحراب ، فصلّى بالناس حتى لا تصير إمامة أبي بكر موجبة للخلل في الدين ، ويعضد ذلك ما رواه البخاري بإسناده إلى عروة قال : فوجد رسول الله من نفسه خفة فخرج إلى المحراب ، فكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر بتكبيره (٢).
قال الشيخ المفيد «قدّس سره» :
الذي صح في ذلك ـ أي صلاة أبي بكر بالناس ـ وثبت أنّ عائشة قالت : مروا أبا بكر أن يصلّي بالناس ، فكان الأمر بذلك من جهتها في ظاهر الحال ، وادّعى المخالفون أنها إنّما أمرت بذلك عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم تثبت لهم هذه الدعوى بحجة يجب قبولها ، والدليل على أنّ الأمر كان مختصا بعائشة دون النبي قول النبي لها عند إفاقته من غشيته (٣) وقد سمع صوت أبي بكر في المحراب «إنكنّ لصويحبات يوسف» ومبادرته معجلا معتمدا على أمير المؤمنين عليهالسلام والفضل بن العباس ورجلاه يخطان الأرض من الضعف حتى نحّى أبا بكر عن
__________________
(١) إحقاق الحق : ج ٢ / ٣٦٢ بتصرّف.
(٢) إحقاق الحق : ج ٢ ص ٣٦٤.
(٣) المراد من «الغشية» هنا هو التجلّي الروحي التام المستتبع لفقدان الحركة الجسمانية عند المعصوم عليهالسلام ، ولا يراد منها فقدان العقل ، إذ إنّ هذا مما يتنزّه عنه المعصوم عليهالسلام الذي تنام عينه ولا ينام قلبه كما في نصوص كثيرة.