أراد أفلته ونجّاه ومنه قولهم : إنّما أفعل ذلك لوجهك ، ويدلّ أيضا على الوجه يعبّر به عن الذات قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥)) (١) ، وقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩)) (٢) ، لأن جميع ما أضيف إلى الوجوه في ظاهر الآي ، من النظر ، والظنّ ، والرّضا لا يصحّ إضافته على الحقيقة إليها وإنّما يضاف إلى الجملة ، فمعنى قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ؛ أي كلّ شيء هالك إلّا هو ، فكذلك قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧))؛ لمّا كان المراد بالوجه نفسه لم يقل «ذي الجلال» كما قال : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٣) : لما كان اسمه غيره.
ويمكن في قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وجه آخر ؛ وقد روي عن بعض المتقدّمين ، وهو أن يكون المراد بالوجه ما يقصد به إلى الله تعالى ويوجّه نحو القربة إليه جلّت عظمته ؛ فيقول : لا تشرك بالله ، ولا تدع إلها غيره ؛ فإنّ كلّ فعل يتقرّب به إلى غيره ، ويقصد به سواه فهو هالك باطل ؛ وكيف يسوغ للمشبّهة أن يحملوا هذه الآية والتي قبلها على الظاهر! أو ليس ذلك يوجب أنّه تعالى يفني ويبقى وجهه : وهذا كفر وجهل من قائله.
فأما قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (٤) ، وقوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (٥) ، وقوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) (٦) ؛ فمعلوم على أن هذه الأفعال مفعولة له ؛ ومقصود بها ثوابه ، والقربة إليه ، والزلفة عنده.
فأما قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٧) ، فيحتمل أن يراد به : فثمّ
__________________
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة |
|
سقته نجيعا من دم الجوف اسكلا |
وحمران قسرا أنزلته رماحنا |
|
فعالج غلا في ذراعيه مقفلا |
وانظر شرح المفضليات : ٤٧٠.
(١) سورة القيامة ، الآيات : ٢٢ ـ ٢٥.
(٢) سورة الغاشية ، الآيتان : ٨ ، ٩.
(٣) سورة الرحمن ، الآية : ٧٨.
(٤) سورة الإنسان ، الآية : ٩.
(٥) سورة الليل ، الآية : ٢٠.
(٦) سورة الروم ، الآية : ٣٩.
(٧) سورة البقرة ، الآية : ١١٥.