الثواب ؛ لأنّه إن عنى بذلك الثواب الذي يبطل بعقاب الصغيرة ، فعند أبي عليّ أنّ الصغيرة ينحبط عقابها بالثواب الكثير ؛ من غير أن ينقص من الثواب شيء ؛ لأنّه لا يذهب إلى الموازنة التي يذهب إليها أبو هاشم ، فما فوّتت الصغيرة عنده ثوابا كان مستحقّا له ، وإن عنى بتفويت الثواب أنّه لو لم يفعل هذه المعصية لكان يستحقّ على الامتناع منها ثوابا فإنه يفعلها ، فهذا يوجب أن يكون الأنبياء عليهمالسلام في كلّ حال مفوّتين لأنفسهم الثواب بفعل المباحات ؛ لأنّهم لو فعلوا الطاعات بدلا منها لاستحقّوا الثواب ، ولوجب أن يوصفوا على الفائتة بأنّهم ظالمون لأنفسهم.
على أنّ وضع الكلام وترتيبه يقتضيان أنّ الظالم لنفسه في الآية في موضع ذمّ ، لأنّه تعالى جعله بإزاء المقتصد ، وليس بإزاء المقتصد إلّا المسرف المذموم.
فإن قيل : فقد قلتم في تأويل حكايته تعالى عن آدم وحوّاء عليهماالسلام قولهما (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) (١) : إنّما أراد أنّا نقصناها الثواب الذي كنّا نستحقّه لو فعلنا ما ندبنا إليه من الامتناع من تناول الشجرة.
قلنا : إنّما قلنا ذلك هناك ، وعدلنا عن الظاهر في هذه اللفظة لقيام الدليل أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يواقع المحظور ، كبيرا ولا صغيرا من الذنوب وليس في الآية التي نحن في الكلام عليها ضرورة توجب العدول عن الظاهر ، بل قد بيّنّا أن ترتيب الكلام ومقابلته يقتضيان أنّ لفظة (ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) في الآية تقتضي الذمّ ، لأنّها بإزاء المقتصد.
على أنّه غير ممتنع أن تكون لفظة «ظلم» بخلاف لفظة ظالم في عرف الاستعمال ، كما أنّ عند مخالفنا أنّ لفظة «آمن» بخلاف لفظة «مؤمن» ، لأنّهم يصفون صاحب الكبيرة بأنه آمن ولا يسمّونه بأنّه مؤمن ، ويزعمون أنّ الانتقال عن الاشتقاق إلى إفادة استحقاق الثواب إنّما هو في مؤمن دون آمن ، فلا ينبغي أن ينكروا مثل ذلك في ظلم وظالم.
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٢٣.