ولو سلّمنا تبرعا أن الشفاعة مشتركة بين إسقاط الضرر وزيادة النفع ، لعلمنا أن شفاعة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هي في إسقاط العقاب بالخبر المروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : اذخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي (١). وهذا خبر تلقته الأمّة كلّها بالقبول وإنّما اختلافهم في تأويله.
وليس لأحد أن يقول : المراد بالخبر الشفاعة في زيادة النعم ، وإنّما خصّ أهل الكبائر ؛ وذلك أن الشفاعة في زيادة النعم لا تخلو أن تكون بعد اقلاعهم وتوبتهم من الكبائر أو قبل التوبة والاقلاع ، فإن كان الأوّل : فكيف يسمّيهم بأنهم أهل الكبائر ، وهذا اسم ينبئ عن الذمّ وهم لا يستحقون بعد التوبة شيئا من الذم. فإذا قيل : لمن كان من أهل الكبائر ، قلنا : هذا خلاف ظاهر الخطاب ، وان كان الوجه الثاني : فكيف يسأل النفع لمن لا يحصل (٢) إيصال النفع إليه ، ومستحقّ العقاب من أهل الكبائر لا يجوز أن يوصل إليه في حال عقابه شيء من المنافع.
فإن قيل : لفظ «ادخرت شفاعتي» أو «أعددت شفاعتي لأهل الكبائر» وحال الإدخار غير حال وقوع الشفاعة ، فما المنكر أن يكونوا موصوفين بالكبائر في أحوال الادخار وفي حال وقوع الشفاعة ، وهي حال الآخرة يكونون قد تابوا ، فلا يستحقّون الوصف بذلك.
قلنا : أحوال الادخار هي كلّ حال لم يقع فيها الشفاعة ، فإذا كان من يشفع فيه من أهل الكبائر لا بدّ أن يتوب قبل أن يفارق الدنيا ، فهو بعد التوبة وقبل وقوع الشافعة لا يستحقّ الوصف بأنه من أهل الكبائر ، وهذه كلّها من أحوال ادخار الشفاعة إلى وقت وقوعها ، فقد بان كما تراه أن في بعض أحوال الادخار لا يستحقّ بالكبائر ، ولفظ الخبر يقتضي ذلك.
وتعلّقهم في إبطال ما نذهب إليه من الشفاعة بقوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ
__________________
(١) بهذا المضمون في التوحيد للصدوق ص ٤٠٧.
(٢) في م «لمن لا يحسن».