فإذا قالوا : إنّما تعلّق نفي قبول الشفاعة بإسقاط العقاب ، قلنا : إنّما نفى قبول الشفاعة في إسقاط عقاب الكفر.
وربّما تعلّقوا بحسن الرغبة إلى الله تعالى في أن يجعلنا من أهل شفاعة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلو كانت الشفاعة في إسقاط العقاب لكانت رغبتنا في أن يجعلنا فساقا عصاة.
والجواب : أن هذه الرغبة مشروطة بأن يجعلنا من أهل الشفاعة إذا عصينا ، والدعاء كلّه لا بدّ من اشتراطه على ما تبيّن ، ويلزم على التعلّق بذلك إذا رغبنا إلى الله تعالى أن يجعلنا من التوّابين المستغفرين ، والتوبة لا تكون إلّا من الذنوب ، ولذلك الاستغفار أن نكون راغبين من أن يجعلنا من أهل المعاصي ، فأي شيء قالوه قلنا لهم مثله.
فإن اعترضوا على دليلنا الأوّل بقوله تعالى : (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (١) وبقوله تعالى : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (٢) ، و (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٣) ، و (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (٤) ، وما أشبه ذلك من القرآن.
قلنا : لنا طرق ثلاثة في دفع هذا الكلام :
أوّلها : أن نبيّن أنه لا صيغة في اللغة مبنية لاستغراق الجنس ، وأن جميع الألفاظ الّتي تعلقوا بها مشتركة بين العموم والخصوص ، ومحتملة للأمرين على الحقيقة.
وثانيها : أن نعارض بالآيات الّتي تعلقوا بها بآيات من القرآن يقتضي ظاهرها العفو وإسقاط العقاب.
وثالثها أن نلزم من جوّز العفو عقلا من مخالفينا وشرط في كلّ عموم القرآن الوارد بإيقاع العقاب بارتفاع التوبة وزيادة الثواب على مقادير العقاب ، أن
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ١٤.
(٢) سورة الفرقان ، الآية : ١٩.
(٣) سورة النساء ، الآية : ١٢٣.
(٤) سورة الإنفطار ، الآية : ١٤.