يشترط أيضا ارتفاع العفو ؛ لأنه على مذهبه من مزيلات العقاب ، وإذا شرط ارتفاع وجهين وجب أن يشترط ارتفاع الثالث.
والّذي يدلّ على أنه لا صيغة للاستغراق تختصّه : إنّا وجدنا كلّ لفظ يدعون أنه مبنيّ للاستغراق قد يستعمل في الخصوص ؛ لأن القائل يقول : «من دخل داري ضربته» ، و «لقيت العلماء» ، و «قطعت السراق» ، وهو يريد الخصوص تارة كما يريد العموم أخرى ، واستعمال اللفظة في معنيين مختلفين يدلّ ظاهره على أنها حقيقة فيهما ، وموضوعة لهما إلّا أن يقوم دليل قاهر ، وان لم يكن بالاستعمال حقيقة وموضوعا. قلنا : لو لم يقم دليل قاهر ونضطر من قصد أهل اللغة إلى أنهم مستعيرون له لحكمنا بأنه حقيقة مع وجود الاستعمال.
والّذي يوضح ما ذكرناه : أن الأصل في الوضع هو الحقيقة ، وإنّما المجاز داخل عليها ، ولهذا صحّ أن يكون في الكلام حقيقة لا مجاز فيها ، ولا يجوز أن يكون ما هو المجاز لا حقيقة له. وهذا يقتضي أن الأصل في الاستعمال هو الحقيقة ، وعليها يجب حمله إلّا للدليل القاطع.
وإذا قالوا : اللفظ مستعمل في الأمرين ، غير أنه يستعمل مطلقا مجرّد في الاستغراق ، وإنّما يستعمل في الخصوص مقترنا بدلالة.
والجواب : أن هذا دعوى بغير برهان ، والاستعمال الّذي اعتمدناه قد صحّ بغير خلاف ، وإنّما ادعي مع الاستعمال في أحد الموضعين قرينة ، وعلى من يدعي أمرا زائدا على المعلوم الدلالة.
وليس ينفصل المتعلّق بهذه الدعوى من أصحاب الخصوص إذا ادعوا مثلها ، وقالوا : إطلاق هذه الألفاظ موضوع للخصوص ، وإنّما نعلم العموم بقرينة ودلالة.
دليل آخر :
وممّا يدلّ على ما ذهبنا إليه من اشتراك العموم والخصوص حسن استفهام