كلّ مخاطب بهذه الألفاظ ؛ لأن من قال : «من دخل داري ضربته» ، يحسن أن يستفهم فيقال له : وان دخل فلان ، وكذلك إذا قال : «لقيت العلماء واكرمت الشرفاء» يحسن أن يستفهم عن عموم كلامه أو خصوصه. ومعلوم أن لا يحسن إلّا مع اشتراك اللفظ واحتماله ؛ لأن من قال : «لقيت رجلا» ، و «ابتعت فرسا» لا يحسن استفهامه عن مراده لاختصاص اللفظ ، ولو قال : «رأيت عينا» و «شاهدت شيئا» لحسن الاستفهام للاحتمال ، ومن دفع حسن الاستفهام في الألفاظ الّتي ذكرناها كان دافعا لمعلوم ، ودفع حسن الاستفهام في كلّ لفظ مشترك.
وليس لأحد أن يدّعي أن وجه حسن الاستفهام لتجويز أن يكون المخاطب أراد المجاز ، وذلك أن صحّة هذه العلّة تقتضي حسن الاستفهام في كلّ خطاب ، لأنه ما من لفظ من ألفاظ العربية إلّا ويمكن فيه المجاز ، وقد علمنا قبح الاستفهام في مواضع كثيرة ، فعلم أن العلّة ما ذكرناه.
وبعد ، فإن المخاطب إذا كان حكيما وعدل عن الحقيقة في خطابه إلى المجاز فلا بدّ من أن يدلّ من يخاطبه على ذلك ، فلا معنى لاستفهامه مع فقد دلالة المجاز.
فإن عارضوا بحسن استفهام من قال : «ضربت أبي» ؛ لأنه يحسن أن يقال له : «أباك» ويحسن استفهام من قال : «صمت شهرا» و «دفعت إلى فلان عشرة» ؛ لأنه يحسن أن يقال له : «أصمت شهرا كاملا أو ناقصا» ، وكذلك في العشرة.
فالجواب : أن الاستفهام إنّما هو طلب الفهم والمعرفة ، ولا يحسن على هذا الوجه إلّا مع اشتراك في اللفظ واحتماله ، وقول القائل : «أباك» ليس باستفهام ، وإنّما هو استعظام واستكبار ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول له مصرّحا : «أضربت اباك أم لم تضربه» ، كما يحسن أن يصرّح مع سمع قول القائل : «ضربت غلماني» ، فيقول : «أضربت جميعهم أم بعضهم».
فأمّا لفظ «شهر» فإنّه يقع حقيقة على ثلاثين يوما وعلى تسعة وعشرين يوما ، فكلّ أحد من أهل اللغة يسمّي الشهر الناقص شهرا كما يسمي الكامل بذلك ، والقول في العشرة كالقول في الشهر.