وقد تعلّق من قال بالعموم : بأن القائل إذا قال : «من دخل داري أكرمته» يحسن استثناء كلّ عاقل من هذا الكلام ، وإنّما يخرج الاستثناء من الجمل ما لولاه لوجب دخوله فيها ، بدلالة قبح استثناء البهائم من هذا اللفظ لما لم يجب دخوله تحته ، وإذا وجب دخول جميع العقلاء تحت لفظة «من» فهي مستغرقة.
فيقال لهم : نحن نخالف فيما حكمتم به في الاستثناء ، ونقول : إنه يخرج من الكلام ما لولاه لصحّ دخوله في الكلام ، وإنّما جاز استثناء كلّ عاقل لصحّة دخوله تحت لفظة «من» لا لوجوب دخوله ، وإنّما لم يحسن استثناء البهائم ؛ لأنه لا يصحّ دخولها تحت هذا اللفظ ، فإذا قالوا من العشرة الواحد أو الاثنين ، إذا كان إنّما يحسن لوجوب دخول ما استثني في الجملة لو لا الاستثناء ، فكذلك كلّ استثناء ؛ لأنه لا يختلف باختلاف مواضعه.
قلنا : قد سوّى قوم من أصحابنا بين الأمرين ، وقالوا : إن الاستثناء من الأعداد يخرج ما لولاه لصحّ دخوله أيضا ، ولم يجب.
وبعد ، فإذا سلّمنا التفرقة بين الأمرين جاز فيه أن نقول : من شأن الاستثناء أن يخرج ما لولاه لصحّ دخوله ، وهذا واجب في كلّ استثناء ، والاستثناء من الأعداد وان وجب دخول المستثنى في الجملة لو لا الاستثناء ، فلن يجب ذلك إلّا بعد صحّته ، فلا بدّ من اعتبار الصحّة ، وان كان في بعض المواضع قد يريد الصحّة حتّى تبلغ الوجوب.
فإن قيل : هذا يقتضي دخول الاستثناء في النكرات.
قلنا : قد يستثنى من النكرة المعرفة ، وهذا حسن بلا خلاف ؛ لأنهم يقولون : «اضرب رجالا إلّا زيدا» ، فأمّا استثناء النكرة من النكرات فقد يحسن إذا خصّصته أو وصفته ، فتقول : «جاءني قوم إلّا رجلا ظريفا أو عاقلا» ، وإنّما لم يحسن بغير تخصيص ولا وصف لبطلان الفائدة.
وإنّما يبطل مذهبهم في الاستثناء : أنه لا شبهة في حسن قول القائل لغيره : «ألق جماعة من العلماء واقتل فرقة من المشركين» ، وانه يحسن استثناء كلّ عالم