وكلّ كافر من هذا الكلام ، ولم يدلّ ذلك على أن قولنا : «فرقة» و «جماعة» من الألفاظ المستغرقة على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الصلاح.
ويلزم أبا هاشم خاصّة على مذهبه في أن ألفاظ الجموع والجنس لا تستغرق ، أن يقال له : قد يحسن استثناء كلّ واحد من ألفاظ الجنس والجموع ، ولم يدلّ ذلك عندك على الاستغراق ، فما المانع من أن يكون لفظة «من» بهذه المثابة.
طريقة أخرى لهم :
وقد استدلّوا بأن القائل إذا قال مستفهما لغيره : «من عندك» صلح أن يجيب بذكر آحاد العقلاء وجماعاتهم ، ولا يصحّ أن يجيبه بذكر البهائم ، فلو لا استغراق لفظة «من» للعقلاء لجاز أن يكون الجواب عنها في بعض الأحوال بذكر بعض العقلاء يجري مجرى الجواب بذكر بهيمة.
وأكّدوا هذه الطريقة : بأن أهل العربية عدلوا عن لفظ الاستفهام في كلّ شخص بعينه إلى هذه اللفظة ، فوجب أن تحلّ هذه اللفظة محلّ الاستفهام عن كلّ عاقل باسمه.
فيقال لهم : قد بنيتم كلامكم على دعوى لا نسلمها ، فمن أين قلتم ، إن من أطلق الاستفهام بلفظة «من» ولم يعلم من قصده العموم والاستغراق من غير مجرّد اللفظ أنه يحسن اجابته بذكر كلّ عاقل ، وما أنكرتم أن جوابه بذكر كلّ عاقل لا يحسن إلّا بعد أن يفهم من قصده الاستغراق من غير مجرّد اللفظ.
يبيّن ما ذكرناه : أنه يحسن ممّن استفهم فقيل له : «ما تملك» و «من جاءك» ، بأن يقول : من المال أو من الفرس ، أو من العبيد أو من الإماء ، وفي جواب «من جاءك» من النساء أو من الرجال ، ولو لا اشتراك اللفظ واحتماله لم يجز ما ذكرناه ، وليس يجزي ذكر بعض العقلاء ، ويصحّ أن يستعمل في جميعهم حقيقة ، وليس كذلك حكم البهيمة.
فأمّا عدولهم عن ألفاظ الاستفهام إلى لفظة «من» فلفائدة معقولة ؛ لأن الاستفهام بذكر كلّ شخص بعينه يتعذّر أو يطول ويبعد ، وليس في جميع الألفاظ