ما يصحّ أن يقصد به إلى الاستخبار عن جميع العقلاء مفترقين ومجتمعين إلّا لفظة «من» ، وهذه مزيّة بينة لها.
على أنه لو ثبت بهذه الطريقة العموم لم يكن نافعا لهم في المقصود من الكلام في عموم الوعيد ؛ لأن الاستفهام لا يحسن دخوله في خطابه تعالى على وجه من الوجوه.
وليس لهم أن يقولوا : متى ثبت عموم هذه اللفظه في الاستفهام ثبت عمومها في الشرط ؛ لأن ذلك دعوى بغير حجّة ، وقد أوجبوا عموم «من» إذا كانت نكرة في الشرط والجزاء ، ولم يوجبوا عمومها إذا كانت معرفة ، فألّا كانت عامّة في الاستفهام دون سائر المواضع.
وأمّا الطريقة الثانية في الكلام على الآيات الّتي تعلقوا بها فبينة ؛ لأنا نعارضهم بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١) ، وبقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (٢) ، وبقوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٣).
وبيان وجه الآية الأولى : أنه تعالى لم ينف غفران الشرك على كلّ الوجوه ، بل نفى أن يغفر تفضّلا ، فكأنه تعالى قال : إنّ الله تعالى لا يغفر أن يشرك به تفضلا بل استحقاقا ، فيجب المراد بقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر بغير استحقاق وعلى جهة التفضّل ؛ لأن موضوع هذا الكلام الّذي يدخله النفي والإثبات وينضم إليه الأعلى والأدون أن يخالف الثاني الأوّل.
ألا ترى لا يحسن أن يقول القائل : أنا لا أمضي إلى الأمير إلّا أن يدعوني وأمضي إلى من دونه إذا دعاني ، وإنّما يحسن أن يقول : وأمضي إلى من دونه وان لم يدعني ، وكذلك لا يجوز أن يقول : أنا لا أتفضّل بالكثير وأتفضّل باليسير. وهذا وجه ، ومن خالف فيه فهو مكابرة.
ويمكن أن يعارضوا بهذه الآية على وجه آخر ، وهو أن لفظ «ما» يجب
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٤٨.
(٢) سورة الرعد ، الآية : ٦.
(٣) سورة الزمر ، الآية : ٥٣.