عمومها عند من ذهب إلى العموم لكلّ ما لا يعقل ، وإذا أخبر تعالى أنه يغفر ما دون الشرك ، عمّ ذلك الكبير والصغير ، وما وقعت منه توبة وما لم يقع منه توبة ؛ لأجل عموم ظاهر آياتهم ؛ لأنا نعكس ذلك ونقول : بل خصّصوا ظاهر تلك الآيات لعموم ظاهر هذه الآيات.
فإن تعلقوا باشتراط المشيّة بقوله تعالى : (لِمَنْ يَشاءُ) يقتضي الإجمال.
قلنا لهم : ما دخلت المشيّة فيما تناوله اللفظ العام ؛ لأنها دخلت فيمن يغفر له لا فيما يغفره.
ويمكن أن يعارضوا في هذه الآية بوجه آخر ، وهو : أن الله تعالى علق الغفران بالمشيّة ، والظاهر من تعليقه بها أنه تفضل غير واجب ؛ لأن الواجب لا تعلّق بالمشيّة ؛ لأن أحدا لا يقول : أنا أفعل الواجب إن شئت ، وأنا أشكر النعمة إن اخترت.
وأمّا بيان وجه المعارضة بالآية الثانية فهو : أنه تعالى خبّر بأنه يغفر للناس على ظلمهم ، وذلك إشارة إلى الحال الّتي يكونون فيها ظالمين ، ويجري مجرى قول القائل : لقيت فلانا على أكله وأوده على عذره.
وليس لهم أن يشترطوا في هذه الآية التوبة ؛ لأنه عدول عن الظاهر ، ومطرق (١) لمن يشترط في ظواهر آياتهم.
وأمّا وجه المعارضة بالآية الثالثة فهو : أنه تعالى أخبر أن يغفر الذنوب جميعا ، وظاهر ذلك يقتضي غفرانها بغير اشتراط توبة ولا غيرها ، ولو لا أن الكفر أخرجه من هذا الظاهر دليل لكان متناولا له ، وقوله تعالى عقيب هذه الآية : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) (٢) لا يقتضي اشتراط ظاهر الآية الأولى مع إطلاقه ؛ فإن عطف المشروط على المطلق والخصوص على العموم جائز.
__________________
(١) كذا في النسخ.
(٢) سورة الزمر ، الآية : ٥٤.