فأما الطريقة الثالثة الّتي وعدنا بذكرها في الكلام على الآيات الّتي اعتمدوها فهي ، أن نقول لهم :
أنتم تشترطون في عموم آيات الوعيد التوبة وزيادة الثواب ، وإنّما اشترطتموها لأنهما يؤثران في استحقاق العقاب ، ومعلوم أن العفو إذا وقع أسقط العقاب كإسقاط التوبة وزيادة الثواب له ، فقد شارك العفو الشرطين اللذين ذكرتموهما في معناهما ، فألا شرطتموه كما شرطتم ما يجري مجراه.
فإذا قالوا : الفرق بين الأمرين أن العقل يقتضي سقوط العقاب بالتوبة وزيادة الثواب ، وليس في العقل أن العفو قد يقع لا محالة.
قلنا : هذه مغالطة ؛ وذلك أن العقل كما يقتضي سقوط العقاب عند التوبة وزيادة الثواب ، فكذلك يقتضي سقوطه عند وقوع العفو ، وكما يجوّز العقل أن يعفو مالك العقاب وأن لا يعفو ، فكذلك يجوّز أن يقع توبة أو يزيد ثواب كما يجوّز أن لا يكون ذلك ، فيجب أن يقابلوا بين الوقوع والوقوع في الأمرين وبين الحال قبل الوقوع ، فإنّكم تجدون شرطنا مساويا لشرطيكم.
فإن كان على ما تزعمون ظاهر عموم الوعيد يقتضي أنه تعالى لا يختار العفو ، فظاهر ذلك أيضا يقتضي أن أحدا لا يختار التوبة ، ولا ما يزيد ثوابه على عقاب فاعله ؛ لأنكم إنّما تنفون بالظاهر اختياره العفو ليسلم وقوع العقاب بمستحقّه ، وهذا بعينه قائم في التوبة وزيادة الثواب ، فألا كانت الظواهر مؤمّنة من عقابه.
فإن قالوا : لا فائدة في قوله تعالى : من لم يتب ولم يزد ثوابه عقابه ولم أعف عنه فإنّي أعاقبه ؛ فإن ذلك معلوم والضرورة تدعو إليه ؛ فإن كلّ من لم يسقط عقابه بشيء من مسقطات العقاب لا بدّ من أن يكون معاقبا.
قلنا : قد يمكن في مستحقّ العقاب منزلة ثالثة بين أن يستوفي عقابه وبين أن يسقط عقابه ؛ لأنه غير ممتنع أن يبقى العقاب في جنبه مستحقّا فلا يسقط ولا يستوفى ، وإذا كان العقل مجوّزا ذلك جاز أن نستفيد بآيات الوعيد وقوع العقاب بمن لم يسقط عنه.
على أنا إذا سلمنا تبرّعا عدم الفائدة من ذلك فالفائدة إنّما تعدم مع استيفاء