الشرائط الثلاث ، وأيّ واحدة ألفيناها أدخل الكلام في الفائدة ، فلم جعلتم ما يلغى هو العفو دون التوبة وزيادة الثواب؟
فإن قالوا : قد بنيتم طريقتكم هذه على صحّة إسقاط العقاب ، وليس يخلو إسقاطه من أن يقع قبل المعصية أو في حالها أو بعدها ، ولا يجوز أن يكون واقعا قبلها ولا في حالها ؛ لأن الإسقاط تصرّف في الحقّ وفي مقابلته الاستيفاء ، فكما لا يحسن الاستيفاء قبل المعصية ولا في حالها ، لا يجوز الإسقاط ، وان كان الإسقاط بعد المعصية فقد علمنا أنه لا أحد من المكلّفين إلّا وهو مقطوع إذا سرق وأصرّ على وجه الجزاء والنكال ، وكذلك كلّ زان مصرّ يحدّ على سبيل العقوبة ، فلو جاز العفو لقدح فيما تقرّر من الإجماع.
قلنا : أما إسقاط الحق قبل ثبوته فغير جائز ، غير أنه يمكن أن يقال : إنّه مانع من ثبوت الحقّ مستقبلا ، ويجري مجرى قول القائل لغيره : «كلّ حقّ أستحقّه مستقبلا عليك وهبته لك» ، ولا معنى للمضايقة في هذا القسم ، وإنّما الكلام كلّه معهم في إسقاط العقاب بعد وقوع المعصية.
والّذي ادّعوه من الإجماع في قطع السراق وجلد الزناة فيه من المرجئة كلّ الخلاف ؛ لأنهم لا يقطعون نكالا ولا يجلدون عقوبة إلّا من علموا استحقاقه للعقاب ، وان العفو ما أسقطه عنهم ، ويجرون قطعه من غير علم بسقوط العقاب عنه بالعفو مجرى قطعه مع تجويز كونه تائبا. ولا خلاف بيننا وبينهم في أن المشهود عليه بالسرقة أو الزنا ، والمقرّ بها لا يحدّان على وجه العقوبة والاستحقاق ؛ لأنا لا نأمن أن يكون الباطن بخلاف الظاهر.
فإن قالوا : قولكم يؤدي إلى تعذّر قطع سارق على سبيل العقوبة ، لتعذّر الشرط الّذي راعيتموه.
قلنا : لو لم يكن معرفة ذلك على ما ادعيتم لم تخرج آية القطع من أن تكون مفيدة ؛ لأنها إنّما تدلّ على استحقاق العقوبة فيمن كان على الصفة المخصوصة ، ولا يقدح في ذلك فقد طريق لنا إلى العلم بالشرائط.