على أن الشروط الّتي يعتبرها مخالفنا في قطع السارق على سبيل النكال والعقوبة تكاد تكون متعذّرة ؛ لأنهم يشترطون علم الإمام بكون السارق سارقا لما يملكه المسروق منه ، وتناوله له من حرز ، وقيمته بالغة القدر الّذي يجب فيه القطع ، ويعلمه في حال التناول كامل العقل ، قد وقعت عنه الشبهات مصرّا غير تائب ، ومعلوم الإحاطة بهذه الشروط كلّها ، فإن ادعي فيه الإمكان تقديرا قدرنا مثل ذلك في العفو ؛ لأنه غير ممتنع فرضا وتقديرا أن يجعل الله تعالى للإمام علامة يميّز بها بين من عفي عنه وبين من لم يعف عنه.
على أن امتثال آيات الحدود ممكن على كلّ حال في الكفّار ؛ لأنا نأمن فيهم ثبوت ما يقتضي إسقاط العقاب.
وربّما استدلّ المخالف في ارتفاع العفو عن مستحقّي العقاب بأن يقول : لو عفا الله عنهم لم تخل حالهم بعد العفو من أمور : إمّا أن يدخلهم الجنّة ، أو النار ، أو لا يدخلهم جنّة ولا نارا ، فإن أدخلهم الجنّة لم يخل من أن يكونوا فيها مثابين أو غير مثابين ، وان أدخلهم النار فأمّا أن يكونوا معاقبين أو غير معاقبين ، وكونهم في غير جنّة ولا نار إمّا بأن افنوا أو اميتوا ، أو بأن يكونوا أحياء في دار أخرى.
يمنع الإجماع منه ؛ لأن الأمّة مجتمعة على أنّ كلّ مكلّف لا منزلة له في الآخرة بين الجنّة والنار ، والإجماع أيضا يمنع من أن يدخلوا الجنّة ولا يثابوا فيها ، ويدفع أيضا أن يكونوا في النار غير معاقبين أو معاقبين ، وان كان العقل يمنع من عقابهم بعد إسقاطه ، فلم يبق إلّا أن يدخلوا الجنّة مثابين ، ولا ثواب لهم يستحّقونه ؛ لأن عقاب معاصيهم قد أحبط ثوابهم والتفضّل بالثواب قبيح ، فوجب القطع على بطلان العفو ، لأن تجويزه يؤدّي إلى علم فساده.
والجواب عن هذه الشبهة : أنها إن بنيت على أن الثواب ينحبط بالعقاب ، وقد دلّلنا فيما تقدّم من هذا الكتاب على بطلان التحابط ، والصحيح فى هذا الموضع أنّ الله تعالى إذا عفا عن فسّاق أهل الصلاة فسقط عقابهم أدخلهم الجنّة ، وأثابهم بما يستحقّونه على إيمانهم وطاعاتهم.