وإن لم يسلّموا ذلك وادّعوا أنه قرآن ، استدللنا على فساد قولهم بقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (١) وقوله عزوجل : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)) (٢).
وأيضا ؛ فإن القرآن ليس بأدون حالا من الشعر ، ولو أن معبّرا عبّر عن قصده من الشعر بالفارسيّة لما سمّى أحد ما سمعه بأنه شعر ، فبأن لا يقال ذلك في القرآن أولى.
وأيضا ؛ فإن إعجاز القرآن في لفظه ونظمه ، فإذا عبّر عنه بغير عبارته لم يكن قرآنا.
فإن تعلّق المخالف بقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)) (٣) وبقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (٤) والصحف الأولى لم تكن بالعربية ، وإنّما كانت بلغة غيرها.
فالجواب عن هذا : أنّه تعالى لم يرد أنّ القرآن كان مذكورا في تلك الكتب بتلك العبارة ، وإنّما أراد أن حكم هذا الذي ذكر في القرآن مذكور في تلك الكتب. وقيل أيضا : إنّه أراد صفة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وذكر شريعته ودينه في الصحف الأولى.
فإن قيل : قد حكى الله تعالى عن نوح عليهالسلام أنه قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٥) وعن غيره من الأمم الماضية ، ونحن نعلم أنهم لم يقولوا ذلك بهذه العربية ، وإنّما قالوه بلغاتهم المخالفة لها ، إلّا أنه لما حكى المعنى أضاف الأقوال إليهم ، وهذا يقتضي أنّ من عبّر عن القرآن بالفارسية تكون عبارته قرآنا.
قلنا : لا أحد من الناس يقول إنّ من غيّر الكلام بما يوجد فيه معناه يكون
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية : ٢.
(٢) سورة شعراء ، الآيتان : ١٩٣ و ١٩٥.
(٣) سورة الأعلى ، الآيتان : ١٨ و ١٩.
(٤) سورة الشعراء ، الآية : ١٩٦.
(٥) سورة نوح ، الآية : ٢٦.