إذ كنتم من غير الجهة التي أمركم بها تعبدونه ، فأنا لا أعبد مثل عبادتكم ، ولا أنتم ما دمتم على ما أنتم عليه تعبدون مثل عبادتي.
فإن قيل : أمّا اختلاف المعبودين فلا شبهة فيه ، فما الوجه في اختلاف العبادة؟ قلنا : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعبد من يخلص له العبادة ولا يشرك به شيئا ، وهم يشركون ، فاختلفت عباداتهما ، ولأنّه أيضا كان يتقرّب إلى معبوده بالأفعال الشرعية التي تقع على وجه العبادة ، وهم لا يفعلون تلك الأفعال ، ويتقرّبون بأفعال غيرها ، يعتقدون جهلا أنها عبادة وقربة.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ، وظاهر هذا الكلام يقتضي إباحتهم المقام على أديانهم؟
قلنا في هذا ثلاثة أجوبة :
أوّلها : أنّ ظاهر الكلام وإن كان ظاهره إباحة فهو وعيد ومبالغة في النهي والزجر ؛ كما قال تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (١).
وثانيها : أنّه أراد لكم جزاء دينكم ، ولي الجزاء ديني ، فحذف الجزاء لدلالة الكلام عليه.
وثالثها : أنّه أراد لكم جزاؤكم ولي جزائي ؛ لأنّ نفس الدين هو الجزاء ؛ قال الشاعر :
إذا ما لقونا لقيناهم |
|
ودنّاهم مثل ما يقرضونا |
فأمّا التكرار في سورة الرحمن فإنّما حسن للتقرير بالنّعم المختلفة المعدّدة ، فكلمّا ذكر نعمة أنعم بها قرّر عليها ، ووبّخ على التكذيب بها ؛ كما يقول الرجل لغيره : ألم أحسن إليك بأن خوّلتك الأموال! ألم أحسن إليك بأن خلّصتك من المكاره! ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا! فيحسن منه التكرير لاختلاف
__________________
(١) سورة فصلت ، الآية : ٤٠.