وفي الآية الخامسة يَردُ تعبير آخر عن ذلك الإنكار والاستبعاد ، قال تعالى : (فَقَالَ الْكَافِرُونَ هذَا شَىءٌ عَجِيبٌ*ءَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (١).
فهم في مبتدأ مقولتهم يعتبرون ذلك أمراً «عجيباً» ، وفي ذيل مقولتهم يعتبرونه «بعيداً» ولكنهم لم يفكّروا بخلقهم وإن هذا الأمر «العجيب والبعيد» قد تحقق بوضوح في خلقهم الأول ، بل كما سوف يأتي لاحقاً بأنّ مسألة المعاد وتجدد الحياة من الامور التي شاهدناها ونشاهدها دائماً في هذه الدنيا ، فكيف يكون هذا الأمر عجيباً وبعيداً؟
* * *
وفي الآية السادسة نرى المخالفين يكررون هذا اللون من الانكار ولكن بأُسلوبٍ آخر ، فكانوا يقولون لقرنائهم وأقربائهم مشكّكين متخذين أسلوب الاشاعة والاثارة : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتٌّم وَكُنْتُمْ تُرَاباً وعِظَاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ* هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ).
ثم إنّ هؤلاء الحمقى لايخالون أنّ هناك حاجة للاستدلال فيقولون بِتَعَسُّفٍ : (إِنْ هِىَ إِلّا حَيَاتُنَا الدٌّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِيَن).
وهذا من أشد تعبيرات المنكرين المعاندين في مجال إنكار المعاد ، وذلك من دون أن يفكروا في فلسفة خلق الإنسان وأنّه هل من الممكن أن تكون هذه الحياة القصيرة المليئة بالمصائب والمشاكل الهدف والغرض الرئيسي من خلق الإنسان؟ ومن دون أن يفكّروا بفلسفة الأوامر الإلهيّة وأنّه هل من الممكن أن يعامل الله العادل ، الصالحين والطالحين على حدٍ سواء؟ وأن لا يفرّق بينهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ومن دون أن يفكّروا بنشأتهم الاولى حين كانوا في البداية تراباً وعناصر متفرّقة.
قد يكون تقدم كلمة التراب على العظام في الآية الكريمة ـ مع أنّ بدن الإنسان يتحول إلى عظام رميمة أولاً ثم يكون تراباً ـ وذلك للإشارة بالتراب إلى اللحم الذي يصبح تراباً
__________________
(١) بعض المفسرين لا يرون فرقاً بين «رَجْع» و «رجوع» (مثل صاحب الميزان) بينما يعتقد البعض الآخر بأنّ «رَجْع» استعمل متعدياً و «رجوع» لازم (تفسير روح البيان ، ج ٩ ، ص ١٠٣) وجاء في تفسير فخر الرازي أيضاً الفرق بين هذين التعبيرين ، ولكن الآية تحتمل كلا المعنيين (تفسير الكبير ، ج ٢٨ ، ص ١٥٢).