لأنّ الآية تقول : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائَقَةُ المَوتِ) ، ومعنى الذوق هو أنّ الروح باقية فتدرك الموت وتتذوّقه ، ويستفاد منها ثانياً : أنّ الروح هي غير الجسد ، وذلك لأنّها تبقى بعد موت الجسد.
جاء في إحدى الروايات لمّا نزلت الآية الشريفة (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) (الرحمن / ٢٦) قالت الملائكة : «مات أهلُ الأرض» وعندما نزلت الآية الشريفة (كُلُّ نَفْسٍ ذَائَقَةُ المَوتِ) قالت الملائكة : «متنا نحن أيضاً» (١).
بالرغم من أنّ كلمة «النفس» اطلقت أحياناً على الله كما جاء في حديث عيسى عليهالسلام عندما كان بين يدي الله حيث قال : (وَلَاأعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ). (المائدة / ١١٦)
لكنّ التعبير بـ «كل نفس» في الآية المذكورة يراد منه المخلوقات لا الخالق.
* * *
٢ ـ حقيقة الموت
يعتبر كثير من الناس الموت فناءً وعدماً ونهاية كلّ شيء ، لذا فهم يخافون الموت ويهابونه بشدّة ، بينما يفسّر القرآن المجيد حقيقة الموت بـ «التوفّي» (أي قبض واستلام روح الإنسان من قِبَلِ الخالق) أو بتعبير آخر هو انتقال من عالم حقيرٍ إلى عالم كبير وَسامٍ) ، قال تعالى في الآية الثانية : (اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حينَ مَوْتِهَا) (٢).
ثم من أجل أن يذكر نموذجاً للموت في هذه الدنيا أضاف تعالى : (وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فى مَنَامِهَا) ، (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوتَ) أي التي لن تصحو من نومها بعد ذلك أبداً (وُيُرسِلُ الاخْرَى) أي التي يجب أن تستمرّ في حياتها (إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً).
إنّ هدف القرآن هو بيان هذه الحقيقة وهي : كما أنّ روحَ الإنسان لا تفنى في عالم النوم ، بل يضعف ارتباطها بالبدن بصورة مؤقتة ، ومن أجل هذا يمكنها التجوّل في عوالم مختلفة ، فإنّها لا تفنى أيضاً بالموت ، بل تتحرر وتتجوّل في عوالم كبيرة اخرى.
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٩ ، ص ١٢٥.
(٢) الضمير في «موتها» وإن كان يعود للانفس في الظاهر لكنّه في الواقع يدلّ على موت الابدان ، وذلك لأنّ البدن هو الذي يموت لا الروح ، وكذلك الحال في ضمير «منامها».