جوهرة عالم الخلق (أي الإنسان) هي عبارة عن عيشه لأيامٍ معدودة في هذا العالم لقضاء حياته في دور الطفولة والضعف حيناً وفي دور الشيخوخة والعجز حيناً آخر وتتأرجح به أمواج الشباب مدّة وفي مدّة اخرى يكون سالماً وأخرى مريضاً ويقضي أكثر مدّة حياته في توفير متطلباته الحياتية التي تتلخص في «الغذاء والنوم» ثم في نهاية المطاف يموت ويفنى ، فياله من أمر قبيح وبعيد عن الحكمة ، فإننا عندما نقول : إنّ الله حكيم فهذا يعني أنّ جميع أفعاله مطابقة للحكمة ، أوَ ليس من الحكمة أن تكون جميع أفعاله ذات أهداف واضحة ومبرمجة؟ وهل يجوز أن يكون هدفه جلب النفع لنفسه مع أنّه غني من جميع الجهات ولديه جميع الكمالات من غير أن تكون محدودة بحد ، فإن كان النفع من أفعاله لا يعود على العباد فمن البديهي أن لا تكون تلك الحياة الماديّة المحدودة في هذه الدنيا هي الهدف الرئيسي من هذا الخلق العظيم ، تلك الحياة التي ينطفىء بصيصها في طرفة عين.
أليس مثل هذا كمثل المهندس الذي يصنع محركاً صناعياً عظيماً ودقيقاً خلال سنين متمادية فيحطمه فور تشغيله والانتهاء منه؟ فهل هذا من الحكمة؟
ألا يشبه هذا الأمر أن نقوم بتربية طفلٍ في رحمٍ صناعي وبذل جهود مضنية في سبيل ذلك حتى يوشك على الاكتمال ويستعد للحياة فنعمد إلى قتله!
إنّ الماديين الذين لا يؤمنون بالله والمعاد ، يرون أنّ الحياة غير هادفة وأنّها خالية من أيّ مفهوم ، وهم محقيّن في ذلك بهذه النظرة! لأنّ الحياة عند تجريدها عن المعاد تصبح غير هادفة وعديمة المعنى.
لذا فإنّ من آمن بالله وحكمته ليس له إلّاالإقرار بأنّ حياة الإنسان لا تنتهي بالموت ، وإنّ هذا العالم يشبه رحم الأم الذي يحمل الإنسان ويُعده للخروج إلى عالم آخر ، ومن البديهي أنّ الحياة داخل رحم الأم لا تُعتبر الهدف النهائي ، بل تُعتبر مقدمة لحياة اخرى أوسع.
* * *